وأنكر بعض المحققين ـ كابن برّى ـ ما قاله ثعلب وغيره من اللغويين والنحاة. وحجة ابن برّى فى الإنكار أن «ثعلبا» ومن معه لم يعلموا ما سجّله ابن درستويه وردده ؛ ونصّه (١) : «(عامة أهل اللغة يزعمون أن هذا الباب لا يكون إلا مضموم الأول ، ولم يقولوا إنه إذا سمّى فاعله جاز بغير ضم. وهذا غلط منهم ، لأن هذه الأفعال كلها مفتوحة الأوائل فى الماضى ؛ فإذا لم يسمّ فاعلها فهى كلها مضمومة الأوائل ، ولم نخصّ بذلك بعضها دون بعض. وقد بيّنا ذلك بعلّته وقياسه ؛ فيجوز : عنيت بأمرك ، وعنانى أمرك ـ وشغلت بأمرك ، وشغلنى أمرك ـ وشدهت بأمرك ، وشدهنى أمرك ...) ، اه ، هذا ما نقله «ابن يرى» وختمه بقوله : (وفى ذلك كفاية تغنى عن زيادة إيضاح وبيان)» اه.
ورأيه هو السديد الذى تؤيده النصوص الصحيحة التى تحمل الباحث على أن يسأل : كيف خفيت هذه النصوص على كثير من اللغويين والنحاة القدامى؟ وكيف رتبوا على وجود نوع وهمّى من الأفعال يلازم البناء للمجهول أحكاما خاصة ؛ كمنع مجىء «صيغتى التعجب» من الثلاثى مباشرة ، وعدم صحته إلا بوسيط. وكمنع صوغ «أفعل التفضيل» من مصادرها إلا بوسيط كذلك ... و...
ولا شك أن رأى «ابن برّى» ومن معه من المحققين هو السديد ـ كما تقدم ـ والأخذ به يؤدى إلى إلغاء تلك الأحكام الخاصة ، ويبيح فى الثلاثى «التعجب» المباشر ، وكذا «التفضيل» بغير وسيط ، ويرد لتلك الأفعال اعتبارها ، ويجعل شأنها شأن غيرها من باقى الأفعال التى تبنى للمعلوم.
(ب) عرفنا (٢) أن نائب الفاعل يكون مرفوعا بأحد شيئين ؛ الفعل المبنى للمجهول ، واسم المفعول ، فهل يرتفع بالمصدر المؤول المسبوك فى أصله من «أن» والفعل المبنى للمجهول؟ انتهى النحاة إلى أن الأصح جوازه بشرط أمن اللبس. ومن أمثلتهم : عجبت من أكل الطعام ؛ بتنوين المصدر «أكل» ورفع كلمة :
__________________
(١) ما يأتى منقول مما يسمى : (الرسالة المشتملة على انتقاد «ابن الخشاب البغدادى» على العلامة «أبى محمد الحريرى» فى مقاماته. وانتصار الشيخ الإمام العلامة أبى محمد عبد الله بن برى ، للإمام الحريرى فى الرد على «ابن الخشاب») اه. وهذه الرسالة مطبوعة فى ختام بعض طبعات «مقامات الحريرى».
(٢) فى رقم ١ من هامش ص ٩٦.