(ح) حرف من حروف النفى الثلاثة (١) : (ما ـ إن ـ لا) دون غيرها من أدوات النفى الأخرى. فمثال «ما» النافية : علمت ما التهوّر شجاعة. ومثال
__________________
ـ لا محل لها من لإعراب. وقد أجابوا : بأنها لا محل لها باعتبارها : «جواب قسم» ـ ولا مانع أن يكون لها محل باعتبار آخر ؛ هو : «التعليق» ومعنى هذا أن جملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب إذا لم يوجد عامل يحتاج إليها حتما ؛ فإن وجد عامل يحتاج إليها حتما كانت معمولة له. وقيل إن : «العلم» فى المثال السالف منصب على مضمون جملة الجواب فقط ، بدون نظر إلى أنها جواب قسم ؛ فجملة الجواب وحدها على هذا الاعتبار فى محل نصب سدت مسد المفعولين. (راجع الصبان ج ٢ عند الكلام على أدوات التعليق).
وفى هذا الرأى راحة وتيسير ؛ لأنه واقعى ؛ لا يلتفت إلى الجملة القسمية المستترة ، ولا يتناسى أن جواب القسم هنا ليس مجلوبا للقسم : وإنما الغرض الأساسى الأول هو إيفاء الناسخ ما يريده ، ولا ضرر فى أن يستفيد القسم منه بعد ذلك.
(وسيجىء الكلام على جملة القسم وجوابه فى باب حروف الجر (ص ٤٦٠ و ٤٦٧ ـ وما بينهما ، وفى ص ٤٦٦ النص الخاص بأن جملة جواب القسم قد يكون لها محل إعرابى مع جملة القسم).
(١) سواء أكان كل واحد منها ناسخا أم مهملا ، فالأولان قد يعملان عمل «ليس» ، والأخير قد يعمل عمل «إنّ» أو : «ليس» فاثلاثة مع الإعمال أو الإعمال صالحة لأن تكون أداة تعليق. ولا داعى لاشتراط بعضهم القسم قبل كل أداة من الثلاثة ؛ لأن هذا الاشتراط ـ فوق ما فيه من تضييق ـ لا سند له من النصوص الفصيحة الكثيرة ، فالوارد منها يدعو إلى إغفاله. ويزيد التمسك بإغفاله قوة ما يقوله أصحابه من أن القسم قبل هذه الأدوات الثلاثة يجب تقديره إن لم يكن ظاهرا فى الجملة ؛ مثل : «علمت ما محمد جبان» إذ يقدرونه : علمت والله ما محمد جبان. فما الحاجة إلى التقدير والتأويل بغير داع؟ ولا سيما التأويل القائم على مجرد التخيل المذكور. وإنه لتخيل مستطاع فى كل صورة خالية من القسم ، فتصير به صحيحة إلا أنه يدفعنا إلى الدخول فى الجدل المرهق الذى مر فى المسألة السابقة ـ فى رقم ٣ من الصفحة الماضية ـ الخاصة بجواب القسم ومحله من لإعراب ، كما سيفتح علينا أبوبا أخرى للاعتراض والجدل ؛ نحن فى غنى عنها ، ولا حاجة للبيان اللغوى الناصع بها.
وزيادة فى البيان نقول : إن اشتراط القسم مقصور عند جمهرة النحاة على «لا ـ إن» ـ النافيتين ، ولا يكاد يوجد خلاف فى صدارة «ما» النافية غير الزائدة ؛ عاملة وغير عاملة. فقد جاء فى الجزء الأول من «المغنى» عند الكلام على «لا» ما نصه :
(تنبيه ـ اعتراض «لا» بين الجار والمجرور فى نحو : غضبت من لا شىء ، وبين الناصب والمنصوب فى نحو قوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ..) وبين الجازم والمجزوم فى نحو : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ ..) وتفدم معمول ما بعدها عليها فى نحو قوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها ..) ـ دليل على أنها ليس لها الصدر. بخلاف «ما» ...
«اللهم إلا أن تقع فى جواب القسم فإن الحروف التى يتلقى بها القسم كلها لها الصدر. ولهذا قال سيبويه فى قوله : «آليت حب العراق الدهر أطعمه ...» أن التقدير : على حب العراق ، فحذف الخافض ، ونصب ما بعده ؛ بوصول الفعل إليه ، ولم يجعله من باب : «زيدا ضربته» ؛ لأن التقدير «لا أطعمه» وهذه الجملة جواب : لآليت ؛ فإن معناه : حلفت. وقيل : لها الصدر مطلقا ، وقيل : «لا» مطلقا. والصواب الأول) ١ ه وإنما قال سيبويه ذلك لأن «لا» هنا لها الصدارة فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، ولا يفسر عاملا أيضا .. وقال الأشمونى عند سرد الأدوات التى لها الصدارة ، ويحدث التعليق بسببها ما نصه : ـ