مراعاة ناحيته المحلية. والإلغاء لا يجوز فى توابعه إلا مراعاة الناحية الواحدة التى هو عليها ؛ وهى الناحية الظاهرة المحضة.
(ه) أن التعليق لا بد فيه من تقدم الناسخ على معموليه ؛ ومن وجود فاصل بعده له الصدارة.
أما الإلغاء فلا بد فيه من توسط (١) الناسخ بينهما ، أو تأخره عنهما ؛
__________________
(١) يذكر النحاة بعض أمثلة يستدلون بها على أن الإلغاء قد يقع والفعل الناسخ متقدم على مفعوليه ، وليس متوسطا ولا متأخرا. ثم يؤولون تلك الأمثلة تأويلا يخرجها من حكم الإلغاء ، ويدخلها فى أحكام أخرى مطردة تنطبق عليها بعد ذلك التأويل. وهذا تكلف مردود ، وتصنع يجب البعد عنه ، منعا للفوضى فى التعبير ، والخلط فى الأصول العامة. فمن تلك الأمثلة قول الشاعر :
أرجو وآمل أن تدنو مودتها |
|
وما إخال لدينا منك تنزيل |
فالفعل : «إخال» قد ألغى ؛ فلم ينصب المفعولين : «لدى» و «تنويل» مع أنه مقدم عليهما.
ومع تقدمه فكلمة «لدى» ظرف ، خبر متقدم ، وكلمة : «تنويل» مبتدأ مؤخر. أى : أنه لم ينصبهما ؛ بدليل رفع الثانية. فما السبب فى الإلغاء؟ لا سبب. لهذا ينتحلون ما يجعل الأسلوب صحيحا. فيتخيلون وجود «ضمير شأن» مستتر بعد الفعل : «إخال» ؛ فالتقدير : «إخاله. فيكون ضمير الشأن المستتر هو المفعول به الأول ، وتكون الجملة الاسمية بعده : (لدينا تنويل) فى محل نصب ، تسد مسد المفعول الثانى ، إذ يصح فى الأفعال القلبية ـ كما سبق ، فى «ا» ن ص ٢٣ ـ أن يكون مفعولها الثانى جملة أو غيرها. وبهذا التأويل الخيالى لا يوجد فى الكلام ناسخ متقدم لم يعمل. أى : لا يوجد فى الكلام إلغاء ، ولا مخالفة لوجوب عمل الناسخ المتقدم ... فلم هذا؟ ما فائدته؟ إن واقع الأمر صريح فى مخالفة التعبير للقاعدة. والسبب هو الضرورة الشعرية ، أو المسايره للغة ضعيفة ، أو ما إلى ذلك مما يخالف اللغة الشائعة فى البيان الرفيع الذى يدعونا لهجر تلك التأويلات ، والفرار منها ؛ حرصا على سلامة اللغة ، وإيثارا للراحة من غير ضرر ، والاقتصار فى القياس على ما لا ضعف فيه ، ولا شذوذ ، ولا تأويل ...
ومن الأمثلة أيضا قول الشاعر :
كذاك أدّبت حتى صار من خلقى |
|
أنى وجدت ملاك الشيمة الأدب |
ففى البيت فعل قلبى (هو : وجد) لم ينصب ، مع أنه متقدم. فلماذا أصابه الإلغاء مع تقدمه؟ يجيبون بمثل الإجابة السابقة ؛ فيتأولون. ويتخيلون وجود «ضمير شأن» مستتر بعد ذلك الفعل ، ويعربون هذا الضمير مفعوله الأول ، والجملة الاسمية : «ملاك الشيمة الأدب» فى محل نصب سدت مسد المفعول به الثانى. أو : يقولون : إن الفعل أصابه «التعليق» بسبب وقوع لام ابتداء مقدرة بعده ، وأصل الكلام كما يتخيلون : «أنى وجدت لملاك الشيمة الأدب» ... وفى هذا ما فى سابقه مما يوجب عدم الأخذ بمثل هذا التخيل ، والتأول ، واتقاء ضرره بالاقتصار على ما لا حاجة فيه إلى تصيد وتحايل.