وقت الكلام (١). فالحكاية بالمعنى لا تقتضى المحافظة على اسمية الجملة ، أو فعليتها ، أو نصّ كلماتها ، أو إعراب بعض كلماتها إعرابا معينا ؛ وإنما تقتضى المحافظة على سلامة المعنى ، ودقته ، وصحة الألفاظ ، وصياغة التركيب ، فيكفى فى الجملة المحكية أن تكون صحيحة فى مطابقة المعنى الأصلى ، وسليمة من الخطأ اللفظى.
فإن كانت الجملة المحكية مشتملة فى أصلها على خطأ لغوىّ أو نحوىّ وجب حكايتها بالمعنى للتخلص مما فيها من خطأ. إلا إن كان المراد إظهار هذا الخطأ ، وإبرازه لسبب مقصود ؛ وعندئذ يجب حكايتها بما اشتملت عليه.
(ج) هل يلحق «بالقول» الذى معناه النطق والتلفظ ، ما يؤدى معناه من كلمات أخرى ؛ مثل : ناديت ، دعوت ، أوحيت ، قرأت ـ أوصيت ـ نصحت ... وغيرها من كل ما يراد به : «النطق المجرد» فتنصب مفعولا به أو مفعولين (٢) ؛ على التفصيل الذى سبق؟
الأنسب الأخذ بالرأى القائل : إنها تلحق به فى نصب المفعول والمفعولين ، ما دامت واضحة الدلالة على معناه. ومن الأمثلة قوله تعالى : (وَنادَوْا يا مالِكُ : لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ،) وقوله تعالى : (فَدَعا رَبَّهُ : أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) بكسر الهمزة فى قراءة الكسر. وقوله تعالى : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ : لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ...) ولا داعى للتأويل فى هذه الآيات وغيرها بتقدير «قول» ... إذ لا حاجة للتقدير مع الدلالة الواضحة ، وعدم فساد المعنى أو التركيب ... أما إذا اقتضى المقام التقدير فلا مانع منه لسبب قوى. ومن ذلك قوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ، فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ ... أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ ...) أى : فيقال لهم : أكفرتم؟ فهنا القول محذوف (٣) ولا بد من تقديره لصحة المعنى والأسلوب.
__________________
(١) لأن ذكر اسميهما دليل ـ فى الغالب ـ على غيابهما وقت حكاية الكلام. ولو لا غيابهما لاتجه إليهما الخطاب : «قلت لك» ... بدلا من «قلت لفاطمة .. وقلت لزينب ..». (راجع حاشية الصبان ج ٢ آخر باب «ظن» وكذلك الخضرى ـ وغيره ـ فى هذا الموضع).
(٢) طبقا للرأى الذى يفيد أن سليما ـ كما نقل بعض النحاة ـ تنصب بالقول مفعولين مطلقا ، (أى : ولو لم يكن بمعنى : الظن. ، كما سبق فى رقم ٢ من هامش ص ٥٠).
(٣) هذا موضع من مواضع حذفه جوازا ؛ لوجود كلام قبله يدل عليه وعلى مكانه ، وهو قوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ ...) إلخ.