ويستثنى من هذا الحكم أربعة أشياء (١) كل منها يحتاج للفاعل ، ولكنه قد يحذف ـ وجوبا ، أو جوازا ـ لداع يقتضى الحذف ؛ وهى :
(ا) أن يكون عامله مبنيّا للمجهول ؛ نحو : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ...،) ومثل : إنّ القوىّ يخاف بأسه. وأصل الكلام : كتب الله عليكم الصيام ـ إن القوىّ يخاف الناس بأسه ... ثم بنى الفعل للمجهول ، فحذف الفاعل وجوبا ، وحلّ مكانه نائب له.
(ب) أن يكون الفاعل واو جماعة أو ياء مخاطبة ، وفعله مؤكد بنون التوكيد ؛ كالذى فى خطبة أحد القوّاد ...
«أيها الأبطال ، لتهز من أعداءكم ، ولترفعنّ راية بلادكم خفاقة بين رايات الأمم الحرة العظيمة ... فأبشرى يا بلادى ؛ فو الله لتسمعنّ أخبار النصر المؤزّر (٢) ، ولتفرحنّ بما كتب الله لك من عزة ، وقوة ، وارتقاء». (وأصل الكلام : تهزموننّ ـ ترفعوننّ ـ تسمعيننّ ـ تفرحيننّ ـ حذفت نون الرفع لتوالى الأمثال. ثم حذفت وجوبا واو الجماعة ، وياء المخاطبة ؛ لالتقاء الساكنين) (٣).
(ح) أن يكون عامله مصدرا ؛ مثل : إكرام الوالد (٤) مطلوب. والحذف هنا جائز.
(د) أن يحذف جوازا مع عامله لداع بلاغى ، بشرط وجود دليل يدل عليهما
__________________
(١) زاد عليها بعص النحاة. ولكن الزيادة لم تثبت على التمحيص ، ولم يرض عنها المحققون (راجع الخضرى ج ١ ، والصبان ج ٢ أول باب الفاعل عند الكلام على مواضع حذفه) بل إنهم لم يرضوا عن هذه الأربعة ، وقالوا هناك : إن الحذف فيها ظاهرى فقط ، وليس بحقيقى. ولهم أدلتهم المقبولة القوية ، وإن كنا قد وقفنا وسطا.
(٢) البالغ الشديد.
(٣) الكلام على هذا الحذف من نواحيه المختلفة مدون بالجزء الأول ص ٦٢ المسألة السادسة. أما التفصيل الأكمل ففى ج ٤ ص ١٢٩ م ١٤٣. بابى : نون التوكيد ، ثم الإعلال والإبدال.
(٤) يرى بعض النحاة : أن المصدر جامد ، فلا يتحمل ضميرا مستترا فاعلا ، إن حذف فاعله الظاهر ، إلا إن كان نائبا عن عامله المحذوف فيتحمل ضميره (راجع ص ٢٠٧). ويرى بعض آخر أنه جامد مؤول بمشتق فهو محتمل للضمير ، ففاعله مستتر فيه (راجع : «ب» ص ١٠٧ ورقم ٢ من هامش ص ٢٠٩).