هناك داعيا بلاغيّا اقتضى هذه النسبة وتخصيص القمر بالقاهرة ؛ هو : إفادة أنه يمنحها ما لا يمنح سواها ، ويضفى عليها جمالا قلّ أن تفوز به مدينة أخرى. فكأنه خاص بها ، مقصور عليها. ومثل هذا يقال فى المثال الثانى وأشباهه (١) ...
* * *
__________________
(١) كقوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها.) فقد أضيف الضحا إلى : «ها» التى هى ضمير العشية ، فالتقدير : كأنهم لم يلبثوا إلا عشية ، أو ضحا العشية. ولا صلة هنا تربط المضاف بالمضاف إليه ربطا معنويا قويا يحقق معنى الحرف إلا صلة واهية ؛ هى : أن الضحا أول النهار والعشية آخره ؛ فبينهما أزمنة أخرى ، لكل زمان منها اسمه الخاص. ولكن البلاغة اقتضت إغفال هذه الأزمنة ، وإجراء إضافة لأدنى ملابسة بين المضاف والمضاف إليه. وكقولهم : (نجم الأحمق) ؛ وهو نجم كان إذا أشرق ورآه بعض الحمقى ، هدأ واستراح ، وخفت حدة حمقه. وكذلك ما جاء فى «الكامل» للمبرد (ج ١ ص ٢٤٣) ، من قول الشاعر :
أهابوا به ؛ فازداد بعدا ، وصدّه |
|
عن القرب منهم ضوء برق ووابله |
فقد أضاف الشاعر كلمة : «وابل» إلى ضمير «البرق» ؛ فكأنه أضافها إلى البرق نفسه ؛ قائلا «وابل البرق» مع أن «الوابل» ليس للبرق. قال المبرد : قد يضاف ما كان كذلك على السعة كقول الشاعر :
حتى أنخت قلوصى فى دياركمو |
|
بخير من يحتذى نعلا وحافيها |
فأضاف «الحافى» إلى «النعل» وهو يريد : حاف منها.