بكاف الخطاب (١) ، أو كان اسم جنس لمعين (٢) ، فمثال الأول قول أعرابى لابنه : «هذا ، استمع لقول الناصح ولو أغضبك قوله ؛ فمن أحبك نهاك ، ومن أبغضك أغواك». وقول آخر لأولاده : «هؤلاء ، اعلموا أن أقوى الناس من قاوم هواه ، وأشجعهم من حارب الباطل ...». أى : يا هذا ـ يا هؤلاء ...
ومثال الثانى قول بعض الأدباء وقد برّح به السّهر : «ليل ، أمالك آخر يدنو؟ وهل للحزن آخر؟ صبح ، أما لك مقدم يرجى؟ وهل فى الفجر مطمع؟». أى : يا ليل ، يا صبح ، لليل وصبح معينين ...
ومن هذا قول العرب : أطرق كرا ؛ إن النعام فى القرى. أى : يا كروان (٣).
__________________
(١) يصح نداء اسم الإشارة ، بشرط ألا يتصل بآخره كاف الخطاب (طبقا لما نقله الصبان فى هذا الموضع عن الشاطبى.) إلا فى الندبة فيصح. (على حسب البيان الآتى فى رقم ٢ من هامش ص ٨٩) وهذا الشرط لازم أيضا عند حذف : «يا». لأن مدلول كاف الخطاب يخالف مدلول المنادى اسم الإشارة إذ المنادى اسم الإشارة هو المقصود بتوجيه النداء ؛ لما هو مقرر أن المخاطب بالكاف غير المشار إليه فى الرأى الراجح ـ راجع الصبان ، جزء ٣ آخر باب النداء ـ. وخير من هذا أن يقال فى التعليل : هو استعمال العرب ، فحسب.
(٢) المراد باسم الجنس المعين النكرة المقصودة المبنية على الضم عند ندائها ؛ فيخرج اسم الجنس غير المعين ، والمراد منه هنا : النكرة غير المقصودة. وسيجىء تفصيل الكلام على هاتين النكرتين ، وحكمهما فى ص ٢٤ وص ٣٠.
(٣) هذا مثل يضرب للمتكبر ، وقد تواضع من هو خير منه. وقد حذفت النون والألف من كلمة : «كروان» لترخيم النداء ، كما سيجىء ييانه فى باب الترخيم ـ ص ١٠٢
وفى حذف حرف النداء لفظا لا تقديرا ـ ومواضع الحذف ، يقول ابن مالك : ـ مع اقتصاره على بعض مواضع الحذف ـ :
وغير مندوب ، ومضمر ، وما |
|
جا مستغاثا ـ قد يعرّى. فاعلما |
(جا ـ جاء. يعرى ـ يجرد من حرف النداء ، فاعلما ـ فاعلم. والألف إما زائدة للشعر ، وإما أصلها نون التوكيد الخفيفة قلبت ألفا عند الوقف)
يقول : قد يتجرد المنادى من حرف النداء إذا كان المنادى غير مندوب ، وغير مضمر ، وغير مستغاث وهذا التجرد ، أى : الحذف اللفظى ، ليس قليلا فى الكلام الفصيح. ثم بين أن هناك مواضع غيرها يكون الحذف فيها قليلا ، وهو مع قلته جائز ، ولا داعى لمنعه ، وطالب بتأييد مجوز يه ، ونصر من يلومهم على المنع ، وعلى عدم إباحة القياس عليه. قال :
وذاك فى اسم الجنس والمشار له |
|
قلّ. ومن يمنعه فانصر عاذله |
(المشار له : أى : اسم الإشارة ، وكان الأولى أن يقول : المشار به. عاذله ـ لائمه) يريد : أن حذف حرف النداء قليل فى اسم الجنس ، واسم الإشارة ـ وقد ترك شرط خلوه من ضمير المخاطب ـ لضيق الشعر ـ طالب بتأييد من يلوم المانع ؛ إذ لا حجة له فى المنع ؛ لورود أمثلة تكفى لإباحة القياس عليه.