وإياها نووا ، ألا ترى أنهم إذا استرسلوا في وصف العلة وتحديدها قالوا : إن علة (شد) و (مد) ونحو ذلك في الادغام ، إنما هي اجتماع حرفين متحركين من جنس واحد ...) ثم يضرب أمثلة أخرى يقول في نهايتها : (فهذا الذي يرجعون إليه فيما بعد متفرقا قدمناه نحن مجتمعا) (٢٢).
ثم يشبه عمله هذا بعمل الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة فيقول : (وكذلك كتب محمد بن الحسن رحمهالله ، إنما ينتزع أصحابنا ـ وهنا يعني فقهاء الحنفية (٢٣) ـ منها العلل ، لأنهم يجدونها منثورة في أثناء كلامه ، فيجمع بعضه إلى بعض بالملاطفة والرفق ، ولا تجد له علة في كلامه مستوفاة محررة ، وهذا معروف من هذا الحديث عند الجماعة غير منكور) (٢٤).
ب ـ وأما أنها ليست وصفية تاريخية :
فلأننا ـ مع هذا التصريح الواضح من ابن جني أنه اتبع في تأسيس أصوله (طريقة الفقهاء) وهي وصفية تاريخية ـ نجد أن أصوله النحوية وأصول من تأخر عنه ، ليست لها تلك الطبيعة الوصفية التسجيلية لأصول الأحناف ، وذلك لأن ملاحظاته وملاحظات أصحابه ، في الواقع ، لم تأخذ طريقها الطبيعي فتعتمد إلى مسائل النحو الذي يؤرخون له ، ومواضع الخلاف بين أقطابه كعيسى بن عمر والخليل وسيبويه من البصريين ، والكسائي والفراء وهشام الضرير من الكوفيين ،
__________________
(٢٢) الخصائص ١ / ١٦٢.
(٢٣) الخصائص ١ / ١٦٣ وقد اضطررت لتفسير ب (أصحابنا) هنا بالأحناف ، وفي النص السابق بالبصريين ، لأني رأيت بعض الباحثين ـ وفيهم من أجله ـ يرى : (إن النحاة ـ والبصريين منهم خاصة ـ قد انتزعوا علل النحو من كتب محمد بن الحسن الشيباني ـ صاحب أبي حنيفة ـ بالملاطفة والرفق) اعتمادا على هذا النص المشبه ، مع أن أصحاب ابن جني في النحو هم البصريون ، وفي الفقه الأحناف ، وهو يشبه عمل نحاته بعمل فقهائه ، ولا معنى لأن ينتزع النحاة علة (شد) و (مد) في الادغام من كتب ذات علل فقهية ...
أنظر في ذلك : كتاب الأستاذ سعيد الأفغاني (في أصول النحو) : ١٠٠ ، ٢٢٦ ، والدكتور تمام حسان في كتابه (الأصول) : ١٨٢ ، والدكتور محمد عيد في (أصول النحو العربي) : ١٢٢.
(٢٤) تقدم آنفا تحت رقم ٢٣.