وطرائق كل فريق من هؤلاء للاحتجاج لرأيه ، ليستنتجوا من إحصائها وتصنيفها أدلة علماء النحو وأصولهم التي بنوا عليها مسائله ، كما صنع فقهاء الحنفية في استنتاج أصولهم من كتب أبي يوسف ومحمد بن الحسن ، وإنما عكسوا القضية فركبوا الطريق من نهايته ، وعمدوا إلى أدلة وأصول معروفة لعلم آخر هو الفقه ، فجعلوها بداية شوطهم ، وحملوها ـ راضية أم كارهة ـ فروع علم آخر لا يمت إليها بصلة ، بحجة (أن كلا منهما معقول من منقول) كما يقال الأنباري (٢٥). ولو أنهم ركبوا الطريق الصحيح لما وجدوا في كتب قدمائهم شيئا من هذه الأصول ، عدا السماع والقياس ، كما سنبين ذلك فيما يأتي.
ومع ذلك فلننظر في قيمة هذه الأصول التي نقلوها من الفقه إلى النحو ، لنجد هل وفقوا في هذا النقل؟
قيمة ما سمي بأصول النحو
ونبدأ من هذه الأصول بما رجحنا أن أدلة النحو لا تتعداه ، وهي أدلة (السماع والقياس).
وهذا الأصلان ، وإن وجد في الفقه ما يقابلهما من : (النص) و (القياس على النص) ، إلا أن طبيعة (الحكم) الذي يستنبطه الفقيه ، ومجال حركته يختلف تماما عن طبيعة (الحكم) النحوي فيهما ، لذلك فلا يكون مورد الفقيه والنحوي من هذين المصدرين واحدا ، لاختلاف نظر الوارد ، ولتفصيل ذلك نشير إلى بعض ما نأخذه على النحاة من فروق يختلف فيها استنباط الحكم ، من النص والقياس عليه ، بين كل من النحوي والفقيه ، ثم مقدار ما قدمه كل من النحاة والفقهاء من (تأصيل) لهذه الأدلة التي ادعي اشتراكهما فيها ، وصقل للقواعد والضوابط التي أعانتهم في أوجه دلالتها ، وأهمها عند الطرفين :
__________________
(٢٥) تقدم نقل ذلك عن نزهة الألباء : ٥٤.