يقوموا هم بهذه المهمة بدلا من النحاة ـ وقد نقل النحاة المتأخرون نص قوله هذا ـ قال : (والعجب من الأصوليين أنهم أقاموا الدلائل على خبر الواحد أنه حجة في الشرع ، ولم يقيموا الدلالة على ذلك في اللغة والنحو ، وكان هذا أولى ، وكان من الواجب عليهم أن يبحثوا في أحوال اللغات والنحو ، وأن يفصحوا عن جرحهم وتعديلهم ، كما فعلوا ذلك في رواة الأخبار ، لكنهم تركوا ذلك بالكلية ، مع شدة الحاجة إليه ، فإن اللغة والنحو يجريان مجرى الأصل للاستدلال بالنصوص) (٣٧).
ولو أن النحاة قاموا بتحقيق نصوصهم التي يحتجون بها لما دعا الرازي أصحابه إلى ذلك.
٢ ـ القياس
يعرف القياس عند النحاة ، كما يعرف عند الأصوليين : (حمل غير المنقول على المنقول ، في حكم ، لعلة جامعة) (٣٨) وربما فضل الأصوليون أن يقولوا : (حمل غير المنصوص على المنصوص ...) أو : (حمل فرع على أصل في حكم ، بجامع بينهما) (٣٩) أو ما يشبه ذلك مما يتضمن أركانه الأربعة : الأصل ، والفرع ، والحكم ، والعلة المشتركة. ولكن هذه التعريفات عند كل من النحاة والأصوليين متأخرة جدا عن نشأة القياس عندهما ، وهذا أمر طبيعي خاضع لقانون التطور في أي فن من الفنون.
لمحة تاريخية :
ويبدو لي أن القياس نشأ عند الطرفين ، في عصر متقارب ، وقد يكون الفقهاء أسبق من النحاة قليلا ، وكانت نشأته عندهما نشأة بدائية ، قوام القياس
__________________
(٣٧) أنظر : المزهر ـ للسيوطي ـ ١ / ١١٨ نقلا عن المحصول للرازي ، وإرشاد الفحول للشوكاني ١٥ ـ ١٦ نقلا عن المحصول أيضا.
(٣٨) الاقتراح ـ للسيوطي ـ : ٤٧.
(٣٩) روضة الناظر ـ لابن قدامة ـ : ١٤٥.