وإن وقع خبرها جملة فعلية فلا يخلو : إما أن يكون الفعل متصرفا ، أو غير متصرف فإن كان غير متصرف لم يؤت بفاصل نحو قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى)(١) ، وقوله تعالى : (وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ)(٢). وإن كان متصرفا فلا يخلو إمّا أن يكون دعاء ، أو لا. فإن كان دعاء لم يفصل كقوله تعالى : (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها)(٣) في قراءة من قرأ «غضب» بصيغة الماضي. وإن لم يكن دعاء فقال قوم : يجب أن يفصل بينهما إلا قليلا. وقالت فرقة منهم المصنّف : يجوز الفصل وتركه ، والأحسن الفصل. والفاصل أحد أربعة أشياء :
__________________
(١) سورة النجم (٣٩) والشاهد فيها عدم الفصل بين «أن» المخففة وخبرها المصدّر بفعل جامد بفاصل. واسم أن ضمير الشأن المحذوف ، للإنسان : متعلق بمحذوف خبر ليس : إلا أداة حصر ، ما سعى : في تأويل مصدر مرفوع اسم ليس والتقدير : ليس للإنسان إلا سعيه. (يمكن اعتبار ما : اسم موصول في محل رفع اسم ليس).
(٢) من قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ ، وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ، فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) الأعراف (١٨٤).
أن : مخففة من الثقيلة ، تنصب الاسم وترفع الخبر ، واسمها ضمير الشأن المحذوف ، عسى : فعل ماض دال على الرجاء تام ، أن حرف مصدري ونصب يكون : فعل مضارع ناقص ، أجلهم : اسم ليكون وفاعل اقترب ضمير أو العكس على التنازع ، وجملة قد اقترب مع الفاعل : في محل نصب خبر يكون ، وأن يكون مع معموليها : في تأويل مصدر مرفوع فاعل لعسى التامة ، وجملة عسى مع فاعلها : في محل رفع خبر أن المخففة ، والشاهد أن الخبر جاء جملة فعلية فعلها جامد فلم تحتج إلى فاصل.
(٣) قال تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ* وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ* وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ* وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) النّور (٦ ـ ١٠).