موسع لها : (.. فإن إدراك المنافر والملائم ، باعث للشخص على الأفعال ، بل للطبائع ، وإن لم تبلغ مرتبة العقول ، كما يشاهد في الحيوانات بل الحشار بل الأعضاء كالمعدة والكبد في أفعالها الطبيعية ، غالبا تدور مدار الملائمة والمنافرة ، وأما الإصابة والخطأ فهو مقام آخر ، فالعقل يدرك الوظائف الجليلة ، والطبع ربما يحكم بأحكام خسيسة دنيئة من جهة الملائمة والمنافرة أيضا ، والعامل يعمل على مقتضى ما ينفذ فيه حكمه من العقل والطبع ، والمقصود أن الوظيفة المحركة على الفعل إنما هي بحسب الملائمة والمنافرة في نظر العامل ، فلا فرق في ذلك بين العلم والجهل المركب والظن البالغ درجة الاطمئنان ، والذي فوقه ودون العلم ، فإن الفاعل إنما يحركه المسكون الحاصل من رأيه إلى ما رآه ، بمعنى أنه لا يتزلزل من احتمال الخلاف ، فإن تساوي الاحتمالين علة لتساوي النظر إلى الطرفين ، وعدم ترجيح أحدهما في مرحلة العمل ، والوظيفة للمتحير لها مكان آخر ، وكلما ازداد أحد الاحتمالين قوة اختص بقوة الاقبال إلى متعلقه ورجحانه في مرحلة الفعل والاختيار وترتيب الآثار ، إلى أن يزول ، أو يبلغ من الضعف بمثابة يجعله كالعدم ، فلا يبقى للفاعل بالنسبة إليه هم واعتداد ، ويخرج من التزلزل والحيرة ، ويستقر أمره في مرحلة العمل ، ويسكن إلى ما يرجح في نظره إلى هذه الدرجة ".
وما يذكره هنا ، لا يريد به تفسير لتواتر ، بل يستهدف تفسير أعمال الإنسان ، ومنطلقات سلوكه ، ولكن يفهم منه تفسير حصول العلم أو الاطمئنان من التواتر ، الذي يعتمد على قوة الرجحان ، الدافعة إلى العمل والسلوك وفقه.
وفي موضع آخر يبحث حول التواتر ، ويشير فيه إلى هذه الفكرة ، فبعد أن يذكر الأسباب المؤدية لحصول العلم من الخبر يقول : " وحيث ظهر لك حقيقة الخبر ، تبين لك أن كشفه عن الواقع لا بد أن يكون مستندا إلى أمر آخر ، من عصمة المخبر ، وما بمنزلته كالعلم بأنه لا يكذب مطلقا ، أو في خصوص ما أخبرته ، مع العلم بأنه لم يخطئ ، نعم قد يبلغ من الكثرة مرتبة يستحيل معها التخلف عن الواقع ، بعد إحراز عدم تواطؤ المخبرين على الكذب ، وعدم وجود جامع لهم في