وأخيرا .. بحث السيد الصدر ـ في كتبه الأصولية وغيرها ـ هذه الفكرة بصورة موسعة ومتطورة في كتابه «الأسس المنطقية للاستقراء».
وقد بحث المنطق القديم هذا الموضوع في بحث الاستقراء والمتواترات ، وبحثته أيضا الفلسفة الحديثة والفلاسفة المعاصرون بتوسع وتطور عند دراستهم لحساب الاحتمالات والاستقراء وإن كان يعني «الانتقال من الأحوال الجزئية إلى القانون العام الذي يحكمها» (١٤) ولكن يمكن الاستفادة منه في بحث التواتر ومدى حصول اليقين منه ، ولسنا في مجال الحديث عن آراء المنطق والفلسفة وتقويمها ، وإنما نحاول هنا إلقاء بعض الضوء على آراء علمائنا في هذا المجال.
نوع العلم الحاصل من التواتر
بعد أن عرفنا أن التواتر يؤدي إلى العلم ، فما هي طبيعة هذا العلم الذي يفيده التواتر ، فهل المراد به القطع واليقين ، أو الاطمئنان والوثوق؟.
وقد ذكرنا أن الشيخ الطهراني يفرق بين القطع والاطمئنان ، كما ذكر هذا الفرق بعض العلماء ، حيث يفرق بينهما ، في درجة الرجحان ، وفي الآثار المترتبة على كل منهما ، يقول : (وأما الاطمئنان فلأن وجود الاحتمال المخالف فيه هو الفارق ـ بينه وبين القطع ـ فلا يستحيل التعبد بخلافه ، فهو ـ أي الاطمئنان ـ وإن كان ظنا لوجود احتمال النقيض فيه ، إلا أنه من الضعف بمثابة صار وجوده كالعدم ، فإن هذا هو معنى الاطمئنان ، إذا فهذا الأثر ـ وهو الحجية ـ للعلم بالذات بحيث يستحيل انفكاكه عنه ، وللظن الاطمئناني أيضا بالذات مع إمكان سلبه عنه».
وفي موضع آخر يفرق بينهما : «إن العلم في اللغة هر الاعتقاد الجازم
__________________
(١٤) يلاحظ في هذا المجال كتاب «مدخل جديد إلى الفلسفة» للدكتور عبد الرحمن بدوي ص ١٠١ ، و «أسس الفلسفة» للدكتور توفيق الطويل ص ١٥٥ وغيرهما.