وفي شروطه ، تفيد أنهم يستهدفون من العلم الحاصل من التواتر ، هو القطع ، لا مجرد الوثوق والاطمئنان ، وأنهم كثيرا ما يذكرون التواتر من أسباب القطع ، ولعل تعبيرهم بالاستحاله والامتناع يدل على ذلك أيضا ، بالإضافة أن الكثير من العلماء يذهبون إلى أن الملاك في حجية الخبر الواحد هو الوثوق ، فلو كان الخبر المتواتر يفيد الوثوق أيضا ، لما كان هناك فرق بين الخبر الواحد ، والخبر المتواتر.
بالإضافة إلى صراحة أقوال بعض العلماء بذلك ، يقول العلامة الحلي في مبادئ الوصول : «الحق أن الخبر المتواتر يفيد العلم الضروري ، لأن جزمنا بوقوع الحوادث العظام كوجود محمد ـ صلىاللهعليهوآله ـ وكحصول البلدان الكبار ، لا يقصر عن العلم بأن الكل أعظم من الجزء ، وغيره من الأوليات ، وهو حاصل العوام ومن لم يمارس الاستدلال ، ولا يقبل التشكيك» (١٦).
ويقول السيد الداماد في كتابه الرواشح : «وهو ـ أي الخبر المتواتر لا محالة يعطي العلم البتي بمفاده» (١٧).
وأشار لذلك صاحب الجواهر حيث قال : «كما أنك عرفت في الأصول استفادة العلم الضروري من المتواتر الذي هو كعلم المشاهدة» (١٨).
وقد ذكر الشهيد الثاني في البداية (١٩) بأن العلم الحاصل من التواتر لا يقبل التشكيك ، بينما الاطمئنان يقبل التشكيك والتفاوت في مراتبه ، كما رأينا في عبارتي الشيخ الطهراني والعلامة الحلي.
وهناك أقوال كثيرة تدل على أن مرادهم من العلم القطع واليقين ، يلاحظها القارئ من بعض ما نقلناه في هذه المقالة.
ومع صراحة عباراتهم في ذلك ، لا مجال لما يذكر بأن مرادهم من العلم
__________________
(١٦) مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ٢٠٢.
(١٧) الرواشح : ٤٠.
(١٨) الجواهر ٤١ / ١٣٠.
(١٩) شرح البداية في علم الدراية ١ : ٥٩.