قطعية يحكم بها العقل ، بين الخبر والخبر عنه ، ولكن هذا لا ينفي احتمال الخلاف في العقل ، بما هو عقل مجردا عن ملاحظة العادة وفي ذاته وواقعه ، ولكن بملاحظة العادة ينتفي احتمال الخلاف تماما وبالمرة ، كما في تعبيراتهم ، فليس احتمال الحلاف مستحيلا في ذاته وواقعه كاجتماع النقيضين ، وإنها استحالته في الخبر المتواتر في حدود العادة.
يذكر الملا صالح المازندراني في تعليقه على هذا الشرط المذكور في المعالم : ـ أن يبلغوا في الكثرة حدا يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب ـ يقول : «إشارة إلى أن الامتناع مستند إلى العادة لا إلى العقل ، إذ التجويز العقلي بالتوافق على الكذب بمعنى إمكانه بحسب الذات واقع ، إلا أن هذا لا ينافي امتناعه عادة كما في سائر الممتنعات العادية» (٢١).
وقد أشار لهذه الفكرة الوحيد البهبهاني في كتابه الفوائد. «إن العلم العادي مساو للعقلي في المنع عن النقيض ، إلا أنه بواسطة ملاحظة العادة ، وتجويزه للنقيض من حيث نفسه مع قطع النظر عن العادة ، وأي عقل يجوز أن تصير أرواث الحمير دفعة كل واحد منها آدميا عالما بجميع العلوم ، ماهرا في جميع الفنون ، ومزينا بأنواع الجواهر واليواقيت إلى غير ذلك؟! نعم ، مع قطع النظر عن العادة ، يحكم بجوازه ، وليس عنده مثل اجتماع النقيضين» (٢٢).
فالامتناع العادي ـ في حدود العادة ـ يمتلك ميزة الامتناع الذاتي في نفي احتمال الخلاف وهذا هو مستوى العلم العادي الحاصل من التواتر ، والعادة موجبة لحصول العلم عقلا بمؤداها كما هو الملاحظ وجدانا وخارجا في حصول اليقين من الخبر المتواتر ، وكما ذكروه في أن شارب السم يعلم يقينا عادة أن شربه يقتله.
فهذا العلم العادي يملك صفات العلم العقلي في الحجية والكاشفية وقوة
__________________
(٢١) المعالم : ١٨٥.
(٢٢) فوائد الوحيد : ٣٣.