أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ ، يقول في الفصول : «ومنها ـ أي شروط التواتر أن يكون إخبارهم عن محسوس ، ولو بحسب آثاره ولوازمه البينة كما في تضافر الأخبار بشجاعة الإمام علي ـ عليهالسلام ـ وسخاوته ، فإن الشجاعة والسخاوة وإن لم تكونا من الأمور المحسوسة ، إلا أن آثارهما ولوازمهما البينة محسوسة».
فيكون لذلك الأمر الحدسي آثار ولوازم حسية ، بحيث يكون الاحساس بتلك الآثار واللازم إحساسا بذلك الأمر الحدسي بنظر العرف والعقلاء ، فيكون ملحقا بالإخبار عن الأمر الحسي في إفادة التواتر للعلم به وزوال احتمال الكذب والخطأ منه.
وأما الأخبار المستندة للحدس أو الاعتقاد ، أو الظن أو بتعبير الفصول : «الأحكام العقلية ضرورية كانت كالكل أعظم من الجزء ، أو نظرية كحدوث العالم أو قدمه ، وتركب الجسم من الهيولي والصورة ، أو الجوهر الفرد» فإنها لا تفيد قطعا للسامع من الإخبار نفسه ، فلو نقل ما يعتقده أو يستنبطه أو يظنه فإن هذا النقل لوحده ـ مهما كثر عدد الناقلين له ـ لا يفيد علما للسامع ، فلا يتحقق التواتر في نقل المسائل الاعتقادية والحدسية.
وذلك لأن احتمال الخطأ والاشتباه في الاجتهاد والاستدلال لا يزول من السامع وجدانا ، فلا يحصل له اليقين بذلك الأمر الحدسي المنقول ، إذ يبقى احتمال أنه قد أخطأ في اعتقاده واستدلاله ، إلا إذا توصل السامع بالبرهان والدليل إلى العلم والاقتناع بذلك الأمر الاعتقادي والحدسي ، ومع توصله إليه فلا يكون التواتر هو السبب للعلم ، بل ذلك البرهان والدليل ، فلا يزيدنا التواتر علما في هذا المجال ، فحتى لو اتفق الفلاسفة مثلا على فكرة فلسفية برهانية ، فلا يكون ذلك سببا لحصول اليقين بها ، مع وجود احتمال الخطأ في الجميع ، كما يشير لذلك الشيخ الآشتياني في العبارة التي نقلناها عنه سابقا «من حيث أن خطأ الأنظار في المسائل العلمية النظرية ـ وإن توافقت وتراكمت ـ لا تحيله عادة أصلا ،