يخلوان من ان يكونا محقّين او مبطلين او يكون احدهما مبطلاً والآخر محقاً؟
فقال هشام : لا يخلوان من ذلك ، وليس يجوز ان يكونا محقّين على ما قدّمت من الجواب.
قال له يحيى بن خالد : فخبّرني عن عليٍّ عليه السلام والعبّاس لما اختصما إلى أبي بكر في الميراث ، أيهما كان المحقّ من المبطل اذ كنت لا تقول انّهما كانا محقّين ولا مبطلين؟
قال هشام : فنظرت فاذا أنني ان قلت بانّ علياً عليه السلام كان مبطلاً كفرت وخرجت عن مذهبي ، وان قلت : إنّ العباس كان مبطلاً. ضرب الرشيد عنقي ووردت عليّ مسألة لم اكن سألت عنها قبل ذلك ولا اعددت لها جواباً ، فذكرت قول أبي عبد الله عليه السلام وهو يقول لي : «يا هشام لا تزال مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك» فعلمت أنّي لا اخذل وعنّ لي الجواب في الحال ، فقلت له : لم يكن من احدهما خطأ وكانا جميعاً محقّين ، ولهذا نظير قد نطق به القرآن في قصّة داود عليه السلام حيث يقول الله جلّ اسمه : (وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب ـ إلى قوله : ـ خصمان بغى بعضنا على بعض) (٣٠) فأيّ الملكين كان مخطئاً وايهما كان مصيباً؟ ام تقول إنّهما كانا مخطئين؟ فجوابك في ذلك جوابي بعينه.
فقال يحيى : لست أقول : إنّ الملكين اخطئا ، بل اقول إنّهما أصابا ، وذلك أنّهما لم يختصما في الحقيقة ولا اختلفا في الحكم ، وانّما اظهرا ذلك لينبّها داودعليه السلام على الخطيئة ويعرِّفاه الحكم ويوقفاه عليه.
فقال : فقلت له : كذلك عليّ عليه السلام والعباس لم يختلفا في الحكم ولا اختصما في الحقيقة ، وانّما أظهرا الاختلاف والخصومة لينبها أبا بكر على غلطه ويقفاه على خطأه ويدلاّه على ظلمه لهما في الميراث ، ولم يكونا في ريب
__________________
(٣٠) سورة ص ٣٨ : ٢١ و ٢٢.