وأما جواب القاضي المغربي في (البدر التمام) (٨٢) عن كلام ابن حجر المتقدم آنفا : بأن الجمع الصوري أيسر من التوقيت ، إذ يكفي للصلاتين تأهب واحد وقصد واحد إلى المسجد ووضوء واحد بحسب الأغلب بخلاف الوقتين ، فالحرج في هذا الجمع لا شك أخف. انتهى.
فإنه غريب جدا ، لأن ابن حجر أراد أن الجمع الحقيقي أخف من الجمع الصوري كما هو كذلك في نفس الأمر ، ويعضده ما مر من كلام الخطابي وتعليل ابن عباس ، وأما هذا الكلام فإنما يصلح جوابا لمن قد يزعم أن التفريق والتوقيت أيسر من الجمع الصوري ـ ولا أعلم أحدا يقول به ـ والحافظ ابن حجر ما قصد شيئا من ذلك.
وهذا ناشئ من عدم الوقوف على حقيقة كلامه.
الثالث : ما دل عليه تعليل ابن عباس ـ رضوان الله عليه ـ لجمعه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكذا تعليله عليه وآله الصلاة والسلام ـ فيما أخرجه الطبراني في الأوسط والكبير عنه ـ بقوله : (أراد أن لا يحرج أمته) فنفي الحرج وإرادته التوسعة دليل ـ وأي دليل؟! ـ على أن المراد بالجمع هنا الجمع الحقيقي دون الصوري.
بيان ذلك : أنه لا يتم التعليل مع الجمع الصوري ، إذ أن الحرج ـ حينئذ ـ لا يرتفع والتوسعة لا تتحقق ، بل إن أوائل الأوقات وأواخرها قد لا يدركها الخاصة فضلا عن العامة ، ولما كان انتفاء رفع الحرج على هذا التقدير معلوما لم يكن ذلك متوقفا على فعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لأن الصلاة إذا أديت في وقتها فلا فرق حينئذ ـ من حيث الإجزاء ـ بين إتيانها في أول الوقت وآخره ـ وإن كان أول الوقت أفضل بلا خلاف ـ ولا أقتضى تناقل الصحابة له.
__________________
(٨٢) كما نقله عنه الأمير الصنعاني في سبل السلام ٢ / ٤٣ ، والقنوجي في فتح العلام ١ / ١٩٥.