فلولا كون الجمع الحقيقي أمرا غير مألوف عندهم ، لما كان للخوض فيه وجه ، ولا حاك في صدر ابن شقيق العقيلي شئ من فعل ابن عباس ومقالته ، ولما سأل أبا هريرة عن ذلك.
وإلى هذا أشار الحافظ شيخ الإسلام ابن حجر في (فتح الباري) (٨٣) بقوله : وإرادة نفي الحرج يقدح في حمله على الجمع الصوري ، لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج. انتهى.
وأيضا : فإن تشريع الجمع امتنان على الأمة المرحومة ـ كما يرشد إليه تعليل ابن عباس ـ ولا يتم ذلك إلا بتشريع الجمع الحقيقي وتسويغه ، وإلا فالجمع الصوري لا يحتاج إلى أمر وراء بيان المواقيت ، وذلك حاصل قبل الجمع بالمدينة ، فتنبه.
الرابع : أن جمع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمدينة لا يخلو إما أن يكون لمجرد تشريع الجمع الصوري ، وإما أن يكون لعذر.
أما الأول : فإن البيان كاف في تشريعه ـ لو احتيج إليه ـ ومغن عن إيقاعه في الخارج ـ كما لا يخفى ـ.
وأما الثاني : فإما أن يكون الجمع لعذر المطر ـ كما عن جماعة ـ وأصحاب هذا المذهب يبيحون العصر مع الظهر في أول وقتها ، والعشاء مع المغرب كذلك.
وإما أن يكون لعذر المرض وما في معناه ـ كما عن آخرين ـ فإن الجمع المذكور جائز عندهم أيضا من دون إيجاب تأخير الظهر إلى آخر وقتها لتجمع مع العصر ، وكذلك العشاءان ، وإلا فالمشقة كبيرة ، بل قد لا يزول العذر المبيح للجمع ـ عندهم ـ إلى آخر الوقت ، فالتأخير حرج منفي بنص الكتاب العزيز.
__________________
(٨٣) فتح الباري
٢ / ٣١.