الفعل أحيانا؟ فإن ذلك يكون كاشفا قطعيا من عدم وجوبه بلا ريب ولا شبهة ، بل يكون تركه شاهدا على سنيته ومؤكدا لها ، كما في ما نحن فيه من إيثاره صلىاللهعليهوآلهوسلم الجمع بين الصلاتين وتركه التفريق المعلوم من غالب أحواله عليه وآله الصلاة والسلام دفعا لتوهم الوجوب ، والله أعلم.
وقد مر عليك أنه لا تعارض بين أحاديث الجمع وأحاديث المواقيت.
وبه تعرف ما في دعوى نسخ أحاديث الباب بأحاديث المواقيت ، فإن من زعم ذلك فقد قال الكذب وادعى ما لا علم له به ولا برهان له عليه ، فإن النسخ لا يثبت بمجرد الدعوى والنقول على النصوص الشرعية بلا دليل ولا برهان ، ولو ولو كان ذلك كذلك لادعى كل من شاء إبطال نص ورد العمل به أنه منسوخ ، ولعارضه خصمه بأنه ناسخ وأن دليله هو المنسوخ ، فتصير الأدلة الشرعية كلها منسوخة وناسخة ، وفي هذا من التناقض والفساد ما يكفي في الزجر عن ادعاء النسخ بغير دليل ولا برهان ـ كما قال المحقق ابن الصديق (٩٨) ـ.
ومم يدفع هذه الدعوى أن الناسخ متأخر عن المنسوخ بالضرورة ، وبيان الأوقات إنما كان بمكة قبل الهجرة ، والجمع كان بعدها بالمدينة ، فالصحيح ـ بناءا على ذلك ـ أن أحاديث الجمع ناسخة لأحاديث المواقيت لا العكس ، فتنبه.
وأما حديث ابن مسعود فقد تقدم الجواب عنه ، فراجع إن شئت.
هذا ، مع أن دعوى عدم اشتراك الصلاتين في وقت واحد منقوضة بجمع السفر عند غير الحنفية (٩٩) وجمعي عرفة والمزدلفة عندهم وعند غيرهم ، وغير ذلك من موارد الجمع ، كالجمع بعذر النصوص والمطر ونحوهما ـ كما عرفت
__________________
(٩٨) إزالة الخطر : ٩٥.
(٩٩) قال في المسوي : أكثر أهل العلم على جواز الجمع في السفر بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، في وقت إحداهما ، كما في الروضة الندية شرح الدرر البهية ، لصديق بن حسن القنوجي البخاري ١ / ١٥٦.