وفي احتجاجه ـ رضياللهعنه ـ بجمع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إيحاء إلى نفي خصوصية التقديم والتأخير في الجمع ، ولولا ذلك لما صح الاحتجاج به.
هذا ، مع أنا قد بينا آنفا وسيأتي إن شاء الله أن حديث الأوقات محمول على الفضيلة ، فليس حينئذ في تأخير إحدى الصلاتين إلى وقت فضيلة الأخرى والجمع بينهما تفريط يستوجب الإثم والعقاب ، فالظاهر إثبات التفريط في تأخير الصلاة عن وقتها المضيق ، كتأخير العصر حتى يدخل وقت العشاءين ، وتأخيرهما إلى ما بعد انتصاف الليل ـ عند بعضهم ـ ، وتأخير الفجر حتى تطلع الشمس.
ثم إن المانعين من الجمع تأولوا تلك النصوص ، ـ بعد الاقرار بثبوتها ـ على وجوه شتى!
مع أن التأويل والصرف عن الظاهر لا يرتكب إلا مع معارضة الحديث لأمر ثابت مقطوع ، وليس في المقام ما يعارض ظاهر أحاديث الباب ، حتى يلزم تأويلها لأجله ، فمن تلك الوجوه :
الأول : ما ذكره الشيخ ولي الله الدهلوي الحنفي في (في شرح تراجم أبواب البخاري) (٤٠) حيث قال : وليعلم أن ما وقع في الحديث من قوله (صلى بالمدينة) وهم من الراوي ، بل كان ذلك في سفر انتهى.
قلت : بل الوهم منه ، فقد وقع التصريح في جملة من أحاديث الصحيحين وغيرهما ـ كما تقدم في أوائل هذا الاملاء ـ بأن الجمع كان بالمدينة ، فلم يبق إلا تعمد التحريف ـ والعياذ بالله ـ.
وأخرج الطبراني في (الأوسط) (٤١) بإسناده عن سعيد بن جبير ، عن
__________________
(٤٠) شرح تراجم أبواب البخاري : ١٢ ط. كراتشي.
(٤١) المعجم الأوسط ٣ / ١٧٦.