من تأكيد وجود علاقة تأثير وتأثر بين المدائح النبوية عامة ، و (البردة) خاصة وبين (البديعيات).
فالبوصيري ـ ممثل المدائح النبوية ـ ، والصفي الحلي ـ ممثل البديعيات ـ كل منهما قد تعرض لمرض عضال طالت مدته ، وامتدت شدته ، قبل أن ينظم قصيدته ، وقد ألجأ صاحبه إلى الله تعالى ، متوسلا بنبيه ، آملا الشفاء.
وكلاهما سلك سبيل الشعر في توسله.
وكلاهما جاءت قصيدته على بحر البسيط ، وروي الميم المكسورة ، باختلاف الزيادة البديعية التي جاء بها الصفي الحلي ، وقد أشار إلى وجه الشبه هذا عبد الغني النابلسي في معرض حديثه عمن ألف في البديع فوصل إلى ابن أبي الإصبع ، وقال : «حتى جاء بعده الشيخ عبد العزيز الحلي الملقب بالصفي ـ رحمهالله تعالى ـ فنظم قصيدة من بحر البسيط على قافية الميم ، مدح فيها النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ مثل قصيدة الأبو صيري التي سماها البردة ...».
وكلاهما قد برئ من مرضه بعد نظم القصيدة ، وصرح بذلك كله.
هذه الاتفاقات كلها بين القصيدتين ، تحملنا على التأكيد بوجود الوشائج المتينة بين المدائح النبوية و (البديعيات) ، تلك الوشائج التي لا يجوز لنا بحال من الأحوال إغفالها وغض الطرف عنها ، ونحن نبحث في نشأة (البديعيات) وربما زعم بعضهم أن قصة المرض عند كلا الشاعرين ـ أو أحدهما ـ مختلقة لا أصل لها ، وهنا فإن لنا موقفا من هذا الزعم (٤).
وقال :
وتجدر الإشارة هنا ، وقبل مغادرة هذا البحث إلى أن بعض أصحاب
__________________
(٤) البديعيات : ١٧ ـ ٢٢.