الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين ، ودونه خرط القتاد ، لما عرفت في شأن نزول الآيات ، وما أرسله الإمام الرازي عن ابن عباس رضياللهعنه ـ كما مر ـ فالاستدلال لكل من الأمرين دوري.
ومما ذكرنا يظهر لك ما في كلام السيوطي ، حيث أخذ من تقرير الأصبهاني أن (أفعل) هنا للتفضيل ، وأن المراد ب (الأتقى) أتقى الأتقياء على الاطلاق وتطبيق ذلك على أبي بكر.
وقد يقال : لا يخلو إما أن يراد ب (الأتقى) أتقى الأتقياء على الاطلاق ، أو من هو أتقى من بعض المؤمنين.
فأما الأول ، فلا ريب أن ذاك لم يكن ولا يكن إلا رسول الله (ص) بإجماع أهل الإسلام.
وأما الثاني ، فإنا لا نسلم دخول علي عليه الصلاة والسلام في ذلك البعض حتى يكون أبو بكر أفضل منه! بل نقطع بخروجه عليهالسلام ـ على تقدير كون المراد ب (الأتقى) ابن أبي قحافة ـ لأنه نفس النبي (ص) كما دل عليه قوله عز سلطانه في آية المباهلة : (وأنفسنا وأنفسكم) (٩٦) فيخرج عليهالسلام كما خرج (ص) من ذلك البعض.
ومعلوم بالضرورة أن الأكرم عند الله تعالى على الاطلاق هو الذي يكون أتقى من جميع المؤمنين لا من بعضهم ، وإذا تطرق التخصيص إلى (الأتقى) سقط الاستدلال ـ كما قال قاضي القضاة التستري رحمهالله ، (٩٧) ـ.
وأيضا : فإن صحة السؤال عن كون أبي بكر أتقى المؤمنين جميعا أو بعضهم ، ومن كل الوجوه أو من بعضها ، دليل على عدم دلالة الآية على أنه أتقى الخلق وأفضلهم بعد النبيين صلى الله وسلم عليهم أجمعين ، فتنبه!
__________________
(٩٦) سورة آل عمران ٣ : ٦١.
(٩٧) الصوارم المهرقة : ٣٠٤.