بيـان :
دلت الآية على تكلم جلود البشر ونطقها بإنطاق الله لها ولكلّ شيءٍ. وآية ( وإن من شيءٍ إلاّ يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً ) (١). نصّت على أنّ الكائنات تسبّح الله تعالى ، وتسبيحها دالّ بوضوح على تمتعها بنعمة الإدراك والشعور ، وعلى نوع من التعقل ، بدليل إرجاع ضمير ذوي العقول إليهم ، بقوله تعالى : ( تسبيحهم ) ولم يقل عزّ من قائِل ( تسبيحها ). وفي آخر الآية بشارة ونذارة : أما البشارة فهي إمكان تعقّل البشر تسبيح الكائنات وتفقهه (١) ويتجلى ذلك بما فيها من التنذير بأنّ ترك تفقّه تسبيحها من السفاهة والذنب ؛ إذ لا حلم إلاّ عن سفه ، ولا غفران إلا عن ذنب ، فلولا أن تفقّه التسبيح مستطاع للبشر وميسور له ، لما كان ترك ذلك معدوداً من الذنوب ، وأنه عمل سفهي يغفره الله عزّ وجلّ ويحلم عنه ، وفي إنذار ذلك دلالة على البشارة المذكورة ، على سبيل الإشارة التي تكفي الحرّ المتدبّر في الآية ( فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين ) (٢).
صرّحت الآية على أنّ السماء والأرض تقول كما نقول ، ولهما كلام ككلامنا ؛ والتأويل بأنّه ليس قولهما كالقول قول بلا دليل ، ويأتي مزيد توضيح له في المقام الثاني ، وإذا ثبت لهما ثبت لغيرهما للمشابهة في الجميع.
ومن الرواية الدعاء الخامس والأربعون من الصحيفة السجادية :
__________________
١ ـ الإسراء : ٤٤.
ولعل المناسب لذكر المقام الأول ـ وهو سلامنا على الكائنات ـ بعض المذكورات فيه من آية أو رواية ، وقد دريت أننا أولاً بصدد إثبات الإدراك لهنّ ، حتى يتسنى لنا السلام عليهن ، ومن ثم جئنا بالآية أو الرواية ، ومما يدلنا على إدراكهنّ ، ما جاء من ترحيب الإمام الكاظم عليه السلام في دعاء يوم الاثنين أوّله :
« مرحباً بخلق الله الجديد ... » رواه الشيخ الكفعمي طاب ثراه في البلد الأمين ١١٧. إذ لو لم يكن لخلق الله من سماء ، وأرض ، وشجر ، ومدر ، من شعور وإدراك لكان الترحيب لغواً محضاً ، وتعالى كلام المعصوم من اللغو.
٢ ـ فصّلت : ١١.