وإذاعته في الناس ، وفي الأرض والعالم ، والسلام أمرٌ وإفشاؤه أمرٌ متفّرعٌ عليه أي على السلام الأصل.
والجـواب :
لا محذور بأن يعرّف الفرع بالأصل ، إما لعدم خلوّه عنه ، أو أنّ الاهتمام بالأصل مقدّم على الاهتمام بالفرع في الظروف القاضية عليه ، فلو فسّر الإفشاء بلزوم أصل السلام ، لكونه عُرضة للترك رأساً لكان تفسيراً مرضيّاً ، ولعلّ وقت صدور الحديث كان قد حتم ذلك للملابسات الزمنية ، أو أن ترك البخل بالسلام والالتزام به ، والاستمرار عليه ، قد يحقق الإنشاء والانتشار ، ولا بأس بأن يراد المسبب من طريق السبب ؛ لأن الالتزام بالسلام سبب للإفشاء والانتشار. وهذا وجه ثانٍ للتأويل وتفسير إفشاء السلام بأن لا يبخل به.
ولصاحب تفسير المنار كلام هو : إن الإسلام دين عامٌّ ، ومن مقاصده نشر آدابه وفضائله في الناس ولو بالتدريج ، وجذب بعضهم إلى بعض ، ليكون البشر كلهم إخوة. ومن آداب الإسلام التي كانت فاشية في عهد النبوّة إفشاء السلام إلا مع المحاربين ، لأن من سلّم على أحد فقد أمنه ، فإذا فتك به بعد ذلك كان خائناً ناكثاً للعهد (١) ...
ـ وقال : ـ وورد في صفات المسلمين في حديث الصحيحين إفشاء السلام وكونه سبب الحب بينهم. ومنها حديث « إن أفضل الإسلام وخيره : إطعام الطعام ، وأن تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف » ، وصح « أفشوا السلام بينكم تحابّوا » ورواه الحاكم عن أبي موسى و « أفشوا السلام تسلموا » رواه البخاري في الأدب المفرد ، وأبو علي وابن حبّان عن البراء ، وفي صحيح البخاري قال عمّار : « ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان : الإنصاف من نفسك ، وبذل السلام للعالم (٢) ، والإنفاق من الإقتار ». فهذا من أدب الإسلام العالي الذي لا يكاد يجمعه غيره (٣).
__________________
١ ـ تفسير المنار ٥ | ٣١٣.
٢ ـ يأتي تحت ١٩ من أحاديث ( ٧ ـ أدب السلام ).
٣ ـ تفسير المنار ٥ | ٣١٦.