وقال ابن أبي ليلى وأبو حنيفة : تقبل شهادة أهل الأهواء العدول إلا صنفا من الرافضة وهم الخطابية. وقال محمد : لا أقبل شهادة الخوارج ، وأقبل شهادة الحرورية ؛ لأنهم لا يستحلون أموالنا ، فإذا خرجوا استحلوا (١).
واشتراط إسلام الشهود هو مذهب الجمهور (مالك والشافعي وأحمد) وأجاز الحنفية قبول شهادة الكفار بعضهم على بعض ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام رجم يهوديين بشهادة اليهود عليهما بالزنى.
وقال ابن القيم في (أعلام الموقعين والطرق الحكمية) : البينة في الشرع أعم من الشهادة ، فكل ما يتبين به الحق كالقرائن القطعية يسمى بيّنة ، فلا مانع أن تدخل شهادة غير المسلم في البينة بذلك المعنى ، إذا تبين للحاكم الحق بها.
وقوله تعالى : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) مؤكد لاشتراط الإسلام والعدالة ؛ لأن المعنى : ممن ترضون دينهم وعدالتهم من الشهداء ، أو من النساء ؛ وجيء بهذا الوصف لضعف شهادة النساء وقلة ثقة الناس بها ، والخطاب يعم جميع الناس ، حكاما وغيرهم ، ولا بد في رأي الجمهور من ثبوت العدالة للشهود بالتزكية. وقال أبو حنيفة : لا حاجة للتزكية ، فكل مسلم ظاهر الإسلام مع السلامة من فسق ظاهر فهو عدل ، وإن كان مجهول الحال.
وذكر الله تعالى السبب في جعل شهادة المرأتين بشهادة رجل ، أي اعتبار العدد في شهادة النساء : وهو التذكير صونا لحكم الشهادة ؛ لعدم ضبط المرأة وقلة عنايتها ونسيانها ، فتذكر كل منهما الأخرى. وبما أن العلة في الحقيقة هي التذكير ، وكان الشأن في النساء النسيان ، نزّل النسيان منزلة العلة ، أي نزل السبب منزلة المسبب. فقد جرت العادة أن المرأة لا تهتم كثيرا بالمعاملات المالية
__________________
(١) البحر المحيط : ٢ / ٣٤٧