والكافرون وهم كل من كفر بالله أو التاركون للزكاة هم الذين ظلموا أنفسهم ، أي فإنهم يقاتلون بالنفس والمال ، وإن المنفقين وضعوا المال في غير موضعه ، وقد سماهم الله كافرين تهديدا وتغليظا ، كما قال : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) [آل عمران ٣ / ٩٧] وإشعارا بأن ترك الزكاة من صفات الكفار ، كما قال تعالى : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) [فصلت ٤١ / ٦ ـ ٧] قال عطاء بن دينار : والحمد لله الذي قال : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ولم يقل : «والظالمون هم الكافرون».
فقه الحياة أو الأحكام :
تأمر الآية بإنفاق المال في وجوه الخير ، سواء أكان بطريق الزكاة المفروضة أم بالصدقات والتطوعات المندوبة ، فلكل ثوابه العظيم يوم الآخرة ، وفيه تحقيق التضامن والتكافل بين أبناء الأمة الواحدة ، بل إنه السبيل الواجب للحفاظ على عزة الأمة ومكانتها وهيبتها واسترداد حقوقها المغتصبة ، وصون كرامتها وحرماتها وديارها ، فمن يقصر في ذلك وهو من الأغنياء القادرين على الإنفاق ، كان سببا في تدمير أمته وإذلالها ، إذ لا بقاء ولا حياة ولا سعادة للأغنياء أنفسهم إذا فتك الثالوث المخيف (وهو المرض والفقر والجهل) في بقية أفراد الأمة. قال ابن عطية : وظاهر هذه الآية : أنها مراد بها جميع وجوه البر من سبيل خير وصلة رحم ، ولكن ما تقدم من الآيات في ذكر القتال ، وأن الله يدفع بالمؤمنين في صدور الكافرين ، يترجح منه أن هذا الندب إنما هو في سبيل الله ، ويقوي ذلك قوله في آخر الآية : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أي فكافحوهم بالقتال بالأنفس وإنفاق الأموال(١).
__________________
(١) البحر المحيط : ٢ / ٢٧٥ ، طبعة الرياض.