وإن الوفاء بالعهد : عهد الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، وعهد الناس في المعاملات والعقود والأمانات من الإيمان ، بل من أجل خصال الإيمان ، وهو الذي يقرب العبد من ربه ، ويجعله أهلا لمحبته ورضوانه. أما الانتساب إلى أمة أو عنصر أو شعب بعينه فلا أثر له عند الله. وإن خائن العهد ليس من التقوى في شيء ، بل هو في زمرة المنافقين ، وإن آكل المال بالباطل يستحق غضب الله وسخطه ، روى أحمد عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق ، لقي الله وهو عليه غضبان» وقال أيضا فيما رواه الشيخان والترمذي والنسائي عن أبي هريرة : «آية المنافق ثلاث : إذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان» وروى الطبراني في الأوسط عن أنس حديثا هو : «لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له».
وجزاء ناكثي العهد وخائني الأمانات أشدّ عند الله من مرتكبي بقية الكبائر كالزنا والسرقة وشرب الخمر ولعب الميسر وعقوق الوالدين ؛ لأن مفسدة نقض العهد عامة شاملة ، وضررها أعظم وأخطر.
ودلت هذه الآية وأحاديث النبي صلىاللهعليهوسلم المتقدمة على أن حكم الحاكم لا يحلّ المال في الحقيقة والباطن بقضاء الظاهر إذا علم المحكوم له بطلانه ، روى الأئمة عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنكم تختصمون إليّ ، وإنما أنا بشر ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع منكم ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا ، فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها يوم القيامة».
ورأى أبو حنيفة أن قضاء القاضي ينفذ في الظاهر والباطن إذا حكم بعقد أو فسخ أو طلاق ؛ لأن مهمته القضاء بالحق ، وأما الحديث السابق فهو في قضية لا بينة فيها ، فإذا ادّعى رجل على امرأة أنه تزوجها ، فأنكرت ، فأقام على زواجها شاهدي زور ، فقضى القاضي ـ دون أن يعلم بزور الشهود ـ بالنكاح