التفسير والبيان :
إن من أهل الكتاب جماعة من أحبارهم وعلمائهم وزعمائهم ، وهم كعب بن الأشرف ، ومالك بن الصيف ، وحييّ بن أخطب وغيرهم ، يفتلون ألسنتهم بقراءة كتابهم المنزل عن الصحيح إلى المحرّف ، بالزيادة في كلام الله أو النقص أو تغيير المعنى ، أو قراءته بنغمة توهم الناس أنه من التوراة ، وتجعلهم يظنون أن ذلك المحرّف من كلام الله ، وما هو من عند الله ، فهم كاذبون فيما يقولون ، فإنهم يدعون أنه من عند الله ، وهذا تأكيد لقوله : (هُوَ مِنَ الْكِتابِ).
فهم لم يكتفوا بالتعريض ولكنهم يصرحون بنسبة الكلام إلى الله كذبا ، لفرط جرأتهم على الله وقساوة قلوبهم ، ويأسهم من الآخرة. وبناء عليه سجّل الله تعالى عليهم صفة الكذب الدائمة الملازمة لهم وهي افتراء الكذب على الله عمدا ، لا خطأ ؛ لأنهم يعلمون تمام العلم أنه كذب وافتراء محض ، فهذه الجملة تنعى عليهم قبيح ما يرتكبون من الكذب.
من أمثلة ليّ لسانهم : أنهم كانوا إذا سلّموا على النبي صلىاللهعليهوسلم أخفوا لام «السلام» وقالوا : «السام عليكم» والسام هو الموت. ومن الأمثلة قولهم : (راعِنا) من الرعونة والحمق ، لا من الرعاية ، كما جاء في آية : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ : سَمِعْنا وَعَصَيْنا ، وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ ، وَراعِنا ، لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ ، وَطَعْناً فِي الدِّينِ ، وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا : سَمِعْنا وَأَطَعْنا ، وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا ، لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ) [النساء ٤ / ٤٦].
التحريف والتبديل : هذا وقد ورد في القرآن الكريم آيات كثيرة في تحريف التوراة والإنجيل ، منها هذه الآية ، وآية النساء المتقدمة ، وآية البقرة : (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة ٢ / ٧٥] وآية المائدة : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ