على كفره وظلمه ، ولا يقبل على الإسلام ، وله جزاء شديد هو استحقاق غضب الله وسخطه ، والخلود في نار جهنم ، دون تخفيف لشيء من العذاب ، ولا تأجيل له لمعذرة ما. فأما إذا أسلم هؤلاء وتابوا ، وأصلحوا ما أفسدوا ، فباب المغفرة والرحمة مفتوح لهم. وهذا الباب مفتوح أيضا بالأولى لمن كان مسلما عاصيا ثم تاب وأصلح وأخلص عمله لله.
ولن تقبل التوبة من الكفار الذين كفروا بعد إيمانهم ، وبقوا مقيمين على الكفر ، وسماها الله تعالى توبة غير مقبولة ؛ لأنه لم يصح منهم عزم عليها ، والله عزوجل يقبل التوبة كلها إذا صح العزم وصدقت الإرادة.
كما لا تقبل توبتهم إذا عزموا عليها عند الموت ، كما قال عزوجل : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ ، حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ : إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) [النساء ٤ / ١٨] ويؤيده قوله صلىاللهعليهوسلم فيما رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم عن ابن عمر : «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر».
ومن مات كافرا فلن يقبل منه خير أبدا ، ولو كان قد أنفق ملء الأرض ذهبا فيما يراه قربة ، ولن ينفعه بعد موته بديل ولا فداء مهما كثر ، كما قال تعالى : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ) [البقرة ٢ / ١٢٣] وقال : (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) [البقرة ٢ / ٢٥٤] وقال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [المائدة ٥ / ٣٦].
وروى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «يجاء بالكافر يوم القيامة ، فيقال له : أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا ، أكنت تفتدي به؟ فيقول : نعم ، فيقال له: قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك» (١).
__________________
(١) هذا لفظ البخاري ، وقال مسلم بدل «قد كنت» : «كذبت ، قد سئلت» وقد تقدم الحديث قريبا في تفسير الآية (٨١).