ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة من حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله ، ومنهم : «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» وروى أحمد وابن أبي حاتم عن أبي أمامة : «أن أبا ذرّ قال : يا رسول الله ، أي الصدقة أفضل؟ قال : صدقة سرّ إلى فقير ، أو جهد من مقلّ ، ثم قرأ الآية : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ) وروى الطبراني مرفوعا : «إن صدقة السر تطفئ غضب الرب». ودليل إعلان الصدقة المفروضة : ما روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس في تفسير هذه الآية قال : «جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها ، يقال : بسبعين ضعفا ، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها ، يقال : بخمسة وعشرين ضعفا.
وأما الصدقة الواجبة (الزكاة) : فأكثر العلماء على أن إظهارها أفضل من إسرارها ؛ لأن الفرائض لا يدخلها رياء ، والنوافل عرضة لذلك ، أخرج مسلم في صحيحة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال: «أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» ومن هنا قيل : صلاة النفل فرادى أفضل ، والجماعة في الفرض أبعد عن التّهمة. بل إن إظهار الفرائض أمر لا بد منه لإقامة شعائر الدين ، وفيه الدلالة على قوة الإسلام ، كما أن فيه الأخذ والعمل بمبدإ القدوة الحسنة.
وتجوز صدقة التطوع للمسلم والكافر ، والبر والفاجر ، والفقير والغني ، لأن الله تعالى قال : (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) فقد أطلق كلمة (الْفُقَراءَ) ولم يقيدها بفقراء المسلمين ، وجعل الخيرية في إعطائها للفقير ، ولم يمنعها عن الغني ، وورد في الصحيحين : «في كل كبد حرّى رطبة أجر» أي أن رحمة جميع المخلوقات مدعاة للثواب. وأما الزكاة المفروضة وزكاة الفطر فهي خاصة بالمسلمين وبالفقراء ، لقوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) ولحديث معاذ حينما أرسله النبي صلىاللهعليهوسلم واليا إلى اليمن : «خذها من أغنيائهم ، وردها في فقرائهم» (١).
__________________
(١) رواه الجماعة عن ابن عباس.