والأبرص بإذن الله ومشيئته ، وتأييده بروح القدس : جبريل عليهالسلام ، ردا على اليهود الذين أنكروا نبوته والطعن به ، وحفظا له من أذاهم ، وتبيانا لحقيقته أنه بشر مؤيد من عند الله بالآيات الواضحات ، لا إله ، كما زعمت النصارى في عيسى ، فكان الناس في شأنه بين مفرّط ومفرط.
ولو شاء الله ما اقتتلت الأمم التي جاءت بعد الرسل ، من بعد ما جاءهم الرسل بالبينات والمعجزات الدالة على الحق الموجبة لاتباعهم ، ولو شاء الله عدم اقتتالهم ما اقتتلوا بأن جعلهم متفقين على اتباع الرسل وقبول الحق من ربهم ، وإنما ترك لهم حرية التفكير والنظر والإدراك بالعقل الذي أودعه فيهم ، ليختاروا طريق الخير والسعادة بأنفسهم ، ولكنهم لم يفكروا تفكيرا سليما واختلفوا اختلافا بينا كبيرا في قبول الدين ، فمنهم من آمن بما جاء به الرسل ، ومنهم من كفر برسالاتهم ، وقد اختلف اليهود في دينهم واقتتلوا ، وكذلك النصارى اختلفوا وانقسموا ، وتعددت الفرق والانقسامات في كل من اليهودية والنصرانية ، واتهم كل فريق الآخر بالخروج عن أصل الدين ، ووجد هذا الاختلاف أيضا بين المسلمين ، حيث عصفت بهم الأهواء ، وفرقتهم المصالح ، واحتدم القتال فيما بينهم.
ولو شاء الله ـ بالرغم من اختلاف ميولهم ونزعاتهم وأهوائهم ـ ما اقتتلوا على ما يختلفون فيه ، ولكن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وكل ذلك من قضاء الله وقدره ، فصارت ردود الفعل متفاوتة ، إما بخصومة الكلام والطعن والنقد والسب ، وإما بالاحتكام إلى حد السيف وإراقة الدماء. وقد كرر تعالى قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا) للتأكيد.
والله قادر على كل شيء ، فإن أراد التوفيق لبعض عباده آمن به وأطاعه ، وإن أراد الخذلان لبعض آخر كفر به وعصاه ، فالخذلان والعصمة من فعل الله وإرادته.