أموال الناس بالباطل ومن غير عمل ولا جهد : مثلهم في الاضطراب والقلق وتعذيب الضمير والوجدان والانهماك في الأعمال والدّنيا كمثل المصروعين الذين تتخبطهم الشياطين ، وتمسّهم الجنّ ، وتضربهم وتصرعهم ، وهم في الآخرة ـ من وقت قيامهم من قبورهم إلى البعث والنشور ـ أشدّ تخبّطا واضطرابا وتثاقلا في حركاتهم ، بسبب ثقل المال الحرام الذي أكلوه من الرّبا ، مما جعلهم متميزين عن بقية الناس في تعثرهم وسقوطهم كلما همّوا بالنهوض والقيام ، وهذه صورة في غاية القبح والبشاعة ، ودليل على ما يحدثه النظام الرأسمالي الرّبوي في العالم المعاصر من هزّات وقلق واضطراب وخوف وأمراض عصبية ونفسية.
وجمهور المفسرين على أن المراد بقوله تعالى : (لا يَقُومُونَ) القيام من قبورهم يوم القيامة إلى بعثهم ونشورهم ، فعلامتهم أنهم لا يقومون منها إلا كما يقوم المصروع حال صرعة وتخبّط الشيطان له ، قال ابن عباس ـ فيما رواه ابن أبي حاتم ـ : «آكل الرّبا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق».
واقتصر جماعة (وهم ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن البصري وقتادة ومقاتل بن حيان) على القول : بأنهم لا يقومون يوم القيامة. وإنما عبّر بالقيام ؛ لأنه أبرز مظاهر النشاط في ممارسة العمل.
وذلك لأنهم فهموا خطأ وتصوروا باطلا أن الرّبا مثل البيع ، أي أن الزّيادة الرّبوية عند حلول أجل الدين آخرا كمثل أصل الثمن في أول العقد ؛ لأن العرب كانت لا تعرف إلا ذلك ، فكانت إذا حلّ دينها قالت للغريم (المدين) : إما أن تقضي ، وإما أن تربي ، أي تزيد في الدّين ، فحرّم الله سبحانه ذلك عليهم. وبعبارة أخرى : كما يجوز لك أن تبيع الشيء في الحال نقدا بدرهمين ، فلما ذا لا يصحّ أن تأخذ درهما في وقت الحاجة ، ثم تدفع في وقت اليسار درهمين؟! وسبب الزيادتين واحد وهو الأجل.