تماثيل البقر. وكان موسى في ذلك كله شديد الشكيمة ، قوي العزيمة ، لقنهم التوحيد الخالص ، وأنكر عليهم حين طلبوا منه أن يجعل لهم إلها كغيرهم.
وقال موسى : أعجلتم أمر ربكم؟ أي استعجلتم ميعاد ربكم فلم تصبروا له ، وهو ما وعدكم من الأربعين ، وذلك لأنهم قدروا أنه لما لم يأت على رأس الثلاثين ، فقد مات (١) ، أي تعجلتم في الحكم علي. قال الزمخشري : المعنى : أعجلتم عن أمر ربكم ، وهو انتظار موسى حافظين لعهده ، وما وصاكم به ، فبنيتم الأمر على أن الميعاد قد بلغ آخره ولم أرجع إليكم ، فحدثتم أنفسكم بموتي ، فغيرتم كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم. وروي أن السامري قال لهم حين أخرج لهم العجل : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى) [طه ٢٠ / ٨٨] إن موسى لن يرجع وأنه قد مات (٢).
وطرح موسى الألواح من يده ، لما اعتراه من فرط الدهشة ، وشدة الضجر عند استماعه حديث العجل ، غضبا لله ، وحمية لدينه ، وكان في نفسه حديدا (ذا حدة) شديد الغضب ، وكان هارون ألين منه جانبا ، ولذلك كان أحب إلى بني إسرائيل من موسى.
وروي أن التوراة كانت سبعة أسباع ، فلما ألقى الألواح تكسرت ، فرفع منها ستة أسباعها ، وبقي منها سبع واحد ، وكان فيما رفع تفصيل كل شيء ، وفيما بقي الهدى والرحمة.
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يرحم الله موسى ، ليس المعاين كالمخبر ، أخبره ربه عزوجل أن قومه فتنوا بعده ، فلم يلق الألواح ، فلما رآهم وعاينهم ألقى الألواح».
وأخذ بشعر رأس أخيه يجره إليه بذؤابته ، لشدة ما استفزه من الأمر ،
__________________
(١) تفسير الرازي : ١٥ / ١١.
(٢) تفسير الكشاف : ١ / ٥٧٨.