وهذا يفيد أن من عمل السيئات فلا بد وأن يتوب عنها أولا ، وذلك بأن يتركها ويرجع عنها ، ثم يؤمن بعد ذلك ، يؤمن بالله تعالى ، ويصدق بأنه لا إله غيره. وهذه الآية تدل على أن جميع السيئات قابلة للغفران بالتوبة ، وهذه بشارة عظمي للمذنبين.
فقه الحياة أو الأحكام :
تضمنت الآيتان مبدأين مهمين : مبدأ العدل في العقاب ، ومبدأ الرحمة بالعصاة التائبين.
أما المبدأ الأول ـ وهو عدالة العقاب فهو ما قامت عليه شريعة الله ، فمن أشرك بالله إلها آخر ، كما فعل بنو إسرائيل في غيبة موسى عليهالسلام ، فهو ظالم لنفسه ، يستحق غضب الإله عليه ، ومصاحبة الذلة والهوان له في الحياة الدنيا. ومن ابتدع شيئا ليس في دين الله فهو مفتر يناله من الجزاء مثل جزاء الظالمين الكافرين ؛ لقوله تعالى : (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) أي المبتدعين ، قال الإمام مالك رحمهالله : ما من مبتدع إلا وتجد فوق رأسه ذلّة.
وينطبق ذلك على الناس كلهم في الماضي والحاضر والمستقبل ، فهو يشمل فعلة بني إسرائيل في عهد موسى عليهالسلام ، وكل من رضي بفعلهم كاليهود في زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وفي كل زمن على ممر الأجيال.
وأما المبدأ الثاني ـ مبدأ الرحمة بالعصاة التائبين فهو فضل عظيم من الله تعالى على هذه الأمة المسلمة وعلى الأمم كلها ، ففي الآية خبر قاطع وقرار حاسم وحكم دائم وهو أن الله يقبل توبة التائب من الشرك وغيره من المعاصي ؛ لأن قوله تعالى : (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ) يشمل الكفر وسائر المعاصي. ورحمة الله سبقت غضبه ، ورحمته وسعت كل شيء ، فمن آمن بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد نبيا ، وبالقرآن دستورا ، وتاب من كفره أو معصيته ، وعمل صالحا فإن الله من بعد توبته غفور له رحيم به.