المفترين على الله في كل زمان ، والمعنى : أن كل مفتر في دين الله جزاؤه غضب الله والذلة في الدنيا.
ويشمل ذلك كل من افترى بدعة وخالف الرشاد ، وقال الحسن البصري : إن ذل البدعة على أكتافهم ، وإن هملجت بهم البغلات ، وطقطقت بهم البراذين (١).
وروى عن أبي قلابة الجرمي أنه قرأ هذه الآية : (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) فقال : هي والله لكل مفتر إلى يوم القيامة.
وقال سفيان بن عيينة : كل صاحب بدعة ذليل (٢).
ومن عادة القرآن مقابلة الأشياء بأضدادها ، فبعد أن ذكر جزاء الظالمين ، فتح باب الأمل أمام التائبين ، فنبه الله تعالى عباده وأرشدهم إلى أنه يقبل توبتهم من أي ذنب كان ، حتى ولو كان من كفر أو شرك أو نفاق أو شقاق ، فقال : (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ...) أي والذين ارتكبوا الأعمال السيئة والمعاصي المنكرة شرعا وعلى رأسها الكفر والشرك ، ثم تابوا أي رجعوا من بعدها إلى الله ، بأن آمن الكافر ، وأقلع العاصي عن عصيانه ، واستقام المؤمن على منهج ربه ، وآمنوا إيمانا خالصا من الشوائب ، وقرنوا الإيمان بالعمل الصالح ، إن ربك يا محمد من بعد تلك الفعلة لغفور لهم ، ستار لذنوبهم ، رحيم بهم يجزي بالحسنة عشر أمثالها ، ويكافئ على القليل بالجليل الكثير.
سئل ابن مسعود عن الرجل يزني بالمرأة ثم يتزوجها ، فتلا هذه الآية : (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ، ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها ، وَآمَنُوا ، إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) فتلاها عبد الله عشر مرات ، فلم يأمرهم بها ولم ينههم عنها.
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٢ / ٢٤٨.
(٢) المرجع والمكان السابق.