أَشاءُ) تعذيبه (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) عمت كل شيء في الدنيا (فَسَأَكْتُبُها) أحكم بها في الآخرة ، أي سأوجب حصول رحمتي ، منّة مني وإحسانا إليهم ، كما قال تعالى: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) [الأنعام ٦ / ٥٤].
(لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) أي سأجعلها للمتصفين بهذه الصفات ، وهم أمة محمدصلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهم الذين يتقون الشرك والعظائم من الذنوب (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) أي يخرجون زكاة الأموال التي تتزكى بها نفوسهم.
(النَّبِيَّ الْأُمِّيَ) النبي لغة مأخوذ من النبوة وهي الارتفاع ، ومن النبأ : وهو الخبر المهم العظيم الشأن ، وفي الشرع : هو من أوحى الله إليه بشرع ولم يأمره بتبليغه. والرسول : هو من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه. ولا يشترط الاستقلال بالشرع أو بالكتاب ، بل قد يكون تابعا لشرع غيره كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا يتبعون التوراة. والأمي : الذي لم يقرأ ولم يكتب ، ولقب العرب بالأميين كما قال تعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ) [الجمعة ٦٢ / ٢] وحكى تعالى عن أهل الكتاب : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا : لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) [آل عمران ٣ / ٧٥] والنبي الأمي : هو محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) باسمه ووصفه (بِالْمَعْرُوفِ) ما تعارفت العقول السليمة والفطر النقية على حسنه ، وذلك موافق لما ورد الأمر به في الشرع.
(الْمُنْكَرِ) ما تنكره النفوس والشرائع لمصادمته للفطرة والمصلحة.
(الطَّيِّباتِ) ما تستطيبه الأنفس والطباع السليمة من الأطعمة ، ومعنى قوله : (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ) أي مما حرم في شرعهم (الْخَبائِثَ) ما تستخبثه الطباع السليمة وتنفر منه كالميتة والدم المسفوح ، أو يكون سببا في الضرر البدني كالخنزير الذي يسبب أكله الدودة الوحيدة وغيرها من المضار ، أو الضرر الديني كالمذبوح الذي يتقرب به لغير الله. والخبيث من الأموال : ما يؤخذ بغير حق كالربا والرشوة والسرقة والغضب ونحو ذلك من المكاسب الخبيثة.
(وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) الإصر : الثقل الذي يأصر صاحبه أي يحبسه من الحركة لثقله ، مثل اشتراط قتل الأنفس بالتقاتل في صحة توبتهم (وَالْأَغْلالَ) الشدائد أو التكاليف الشاقة ، والأغلال جمع غل : وهو القيد الذي تربط به يد الجاني إلى عنقه. والمراد هنا : ما كان في شرائعهم من الأشياء الشاقة ، مثل إيجاب القصاص في القتل مطلقا ، عمدا كان أو خطأ ، من غير شرع الدية ، وقطع الأعضاء الخاطئة ، وقرض موضع النجاسة من الجلد والثوب ، وإحراق الغنائم ، وتحريم العروق في اللحم ، وتحريم السبت أي تحريم العمل فيه.
(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ) منهم (وَعَزَّرُوهُ) أي أعانوه ومنعوه حتى لا يقوى عليه عدو ، أي