حاموا عنه (النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) أي القرآن ، وإنما أنزل مع جبريل ، فالمراد : أنزل مع نبوته ، وصارت نبوته مصحوبة بالقرآن.
التفسير والبيان :
هذا من تتمة دعاء موسى عليهالسلام عند مشاهدة الرجفة ، فأعلن أولا أنه لا ولي إلا الله بقوله : (أَنْتَ وَلِيُّنا) والمتوقع من الولي والناصر أمران : دفع الضرر ، وتحصيل النفع ، ولما كان دفع الضرر مقدما على تحصيل النفع ، بدأ بطلب دفع الضرر ، فقال : (فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا) ثم أتبعه بطلب تحصيل النفع بقوله : (وَاكْتُبْ).
أي أوجب لنا وأثبت لنا بفضلك ورحمتك حسنة ، أي حياة طيبة في الدنيا بتوفير نعمة الصحة والعافية ، وسعة الرزق ، والتوفيق في العمل ، والاستقلال في الأمور العامة ، ومثوبة حسنة في الآخرة بدخول جنتك والظفر برضوانك وفيض إحسانك ، وذلك كقوله تعالى : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) [البقرة ٢ / ٢٠١].
(إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) أي تبنا ورجعنا وأنبنا إليك ، أي ندمنا على ما طلبه قومنا من اتخاذ الآلهة وعبادة العجل ورؤية الله جهرة ونحو ذلك من فعل السفهاء ، ورجعنا إلى الإيمان المقرون بالعمل.
قال الله : (عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ) من الكفار والعصاة ، أما رحمتي فقد وسعت كل شيء في العالمين ، والعذاب مما يترتب على صفة العدل ، ولكن الرحمة أشمل ، ولو لا عموم الرحمة لهلك الكفار والعصاة عقب كفرهم وعصيانهم ، كما قال تعالى : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) [فاطر ٣٥ / ٤٥] وقال عزوجل : (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ، لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ ، بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) [الكهف ١٨ / ٥٨].