لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله» (١).
قال البيضاوي عن قوله تعالى : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) : تصريح بأن الهدى والضلال من الله ، وأن هداية الله تختص ببعض دون بعض (٢).
وأما قوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا) فيدل في رأي أهل السنة على أن الله تعالى خلق الأفعال أو الأعمال ، فإن أولئك الكفار استعملوا عقولهم وحواسهم في مصالح الدنيا ، ولم يستخدموها في مصالح الدين ، فما كانوا يفقهون بقلوبهم ما يحقق مصالح الدين ، وما كانوا يبصرون ويسمعون ما يرجع إلى مصالح الدين. والمعنى أن الله خلق في المؤمن القدرة على الإيمان ، وخلق في الكافر القدرة على الكفر (٣) ، والعبد وجّه تلك القدرة إما إلى الإيمان وإما إلى الكفر ، ولم يجبره تعالى على اختيار أحد الأمرين ، وإلا لما كان عدلا حسابه وعقابه.
قال ابن كثير في تفسير آية : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا) أي خلقنا وهيأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ، وبعمل أهلها يعملون ، فإنه تعالى لما أراد أن يخلق الخلق علم ما هم عاملون قبل كونهم ، فكتب ذلك عنده في كتاب قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، كما ورد في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «إن الله قدر مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء».
والخلاصة : يرى المعتزلة أن الإنسان يخلق أفعال نفسه ، وأن الإنسان مخيّر مطلقا ، ويرى أهل السنة والجماعة أن الله تعالى هو الذي يخلق أفعال العبد ، وأن
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٢ / ٢٦٧.
(٢) تفسير البيضاوي : ص ٢٢٩.
(٣) تفسير الرازي : ١٥ / ٦٠ ـ ٦٣.