ثم كرر الله تعالى الاستفهام الإنكاري لزيادة التوبيخ ، بعد قوله : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى) وعطف عليه بالفاء ، فقال : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ) أي بأسه ونقمته وقدرته عليهم. ومكر الله : جزاؤه وأخذه العبد من حيث لا يشعر ، مع استدراجه. إن كانوا أمنوا مكر الله وعقابه ، فلا يأمن مكر الله إلا الذين خسروا أنفسهم ، قال الحسن البصري رحمهالله : المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل خائف ، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن.
ومجموع معنى الآيتين : أكان سبب أمنهم أن يأتيهم العذاب في وقت غفلتهم ليلا أو نهارا ، أو كان سبب أمنهم غفلتهم عن مكر الله بهم ، أي جزاؤه الذي ينزله بهم؟ إن ظنوا ذلك فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون أنفسهم.
وبعد بيان حال الكفار الذين أهلكهم الله بالاستئصال ، أبان تعالى أن الهدف من ذكر هذه القصص حصول العبرة لجميع المكلفين في مصالح أديانهم وطاعاتهم ، فقال : (أَوَلَمْ يَهْدِ ...).
أي أو لم يتبين للناس ، وخصوصا قريشا الذين يخلفون غيرهم في سكنى الأرض ووراثتها مع الديار ، بعد إهلاك آخرين قبلهم كانوا أهلها : أن شأننا معهم كشأننا مع من سبقهم ، فلو نشاء أصبناهم وعذبناهم بذنوبهم وأعمالهم السيئة ، كما عذبنا أمثالهم من قبل ، وفعلنا بهم كما فعلنا بمن قبلهم ، فأهلكنا الوارثين كما أهلكنا المورثين.
فإن لم نهلكهم بالعذاب نختم على قلوبهم ، فهم لا يسمعون الموعظة والتذكير سماع تدبر ، ولا يقبلون ولا يتعظون ولا ينزجرون ، كما قال تعالى : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس ١٠ / ١٠١] وأما المؤمنون فشأنهم الاتعاظ والاعتبار بما حدث لمن قبلهم ، كما قال تعالى في آيات كثيرة موضوعها واحد ،