وجعل زوجه من جنسه ، ليسكن إليها ، ويطمئن بها ، كما خلق من كل الأنواع زوجين اثنين ، كما قال عزوجل : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ ، لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذاريات ٥١ / ٤٩].
وقوله : (لِيَسْكُنَ إِلَيْها) أي ليأنس بها ويطمئن ويألفها ، كقوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً ، لِتَسْكُنُوا إِلَيْها ، وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم ٣٠ / ٢١] وهذا التآلف قائم في أعماق كل من الرجل والمرأة ، ففي عهد الشباب لا تسكن النفس إلا بالاقتران بزوج آخر ، ولا نجد ألفة بين روحين أعظم مما بين الزوجين ، والجنس ميال بطبيعته إلى جنسه ، والتعاون على شؤون الحياة يحتاج إلى التزاوج ، وبقاء النوع الإنسان مرهون بهذا الترابط بين الجنسين : الذكر والأنثى.
ثم ذكر الله تعالى ثمرة هذا التزاوج بين الرجل والمرأة فقال : (فَلَمَّا تَغَشَّاها) وهو كناية عن الوقاع ، أي فلما حدث الوطء أو الوقاع أو الجماع بين الجنسين ، بدأ تكون الجنين ، وحدث الحمل الخفيف ، وهو أول الحمل الذي لا تجد فيه المرأة ثقلا ولا ألما ، إنما هي النطفة ، ثم العلقة ، ثم المضغة ، ويرتفع الحيض عادة ببدء الحمل ، وتستمر المرأة في متابعة أعمالها المعتادة دون مشقة ، وهذا هو المراد من قوله : (فَمَرَّتْ بِهِ) أي استمرت بذلك الحمل الخفيف.
فلما أثقلت المرأة الحامل أي صارت ذات ثقل بحملها بسبب كبر الولد في بطنها ، وحان وقت الوضع ، (دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما) ، أي دعا الزوجان وهما آدم وحواء مقسمين : لئن آتيتنا ولدا صالحا ، أي بشرا سويا ، تام الخلق ، سليم الفطرة ، لنكونن لك من الشاكرين نعمتك ، المشتغلين بشكر تلك النعمة.
فلما آتاهما الله ما طلبا ، ورزقهما ولدا صالحا سويا كامل الخلقة ، جعل الزوجان لله شركاء أي شريكا فيما آتاهما وأعطاهما ، فتعالى أي تعاظم وتنزه (اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) وينسبون له من الولد والشريك.