التفسير والبيان :
يا أيها الذين صدقوا بالله ورسوله ، إذا اقتربتم من عدوكم ودنوتم منهم حال كونهم جيشا زاحفين نحوكم لقتالكم ، فلا تفرّوا منهم ، مهما كثر عددهم ، وأنتم قلة ، ولكن اثبتوا لهم وقاتلوهم ، فالله معكم عليهم.
وهذا الانهزام أمامهم محرم إلا في حالتين :
إحداهما ـ أن يكون المقاتل متحرفا لقتال ، أي مظهرا أنه منهزم ، ثم ينعطف عليه ، ويكر عليه ليقتله. وهو أحد مكايد الحرب وخدعها.
والثانية ـ أن يكون متحيزا إلى فئة أي منضما إلى جماعة أخرى من المسلمين لمقاتلة العدو معها ، يعاونهم ويعاونونه. فيجوز له ذلك في هاتين الحالتين.
أما فيما عداهما ، فمن فرّ أو انهزم وجبن عن القتال ، فقد رجع متلبسا بغضب من الله ، ومأواه الذي يلجأ إليه في الآخرة جهنم ، وبئس المصير هي ، وبئس المصير مصيره. قال البيضاوي : هذا إذا لم يزد العدو على الضعف ، لقوله تعالى : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) [الأنفال ٨ / ٦٦] وقال ابن عباس : من فرّ من ثلاثة لم يفر ، ومن فرّ من اثنين فقد فرّ.
والآية تدل على تحريم الفرار من الزحف ، وأنه من كبائر المعاصي ، بدليل ما روى الشيخان عن أبي هريرة مرفوعا : «اجتنبوا السبع الموبقات ـ المهلكات ـ قالوا : يا رسول الله ، وما هن؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولّي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات».
ثم علل الله تعالى ضرورة الثبات والصبر أمام العدو بنصره على الأعداء ، فقال : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) أي إن افتخرتم بقتلهم ، فأنتم لم تقتلوهم بقوتكم وعدتكم ،