وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) بأيديكم ؛ لأنه هو الذي أنزل الملائكة ، وألقى الرعب في قلوبهم ، وشاء النصر والظفر ، وقوى قلوبكم وأذهب عنها الفزع والجزع ، كما قال تعالى : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ ، وَيُخْزِهِمْ ، وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ ، وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) [التوبة ٩ / ١٤].
وذلك أن المسلمين لما كسروا أهل مكة ، وقتلوا ، وأسروا ، أقبلوا على التفاخر ، فكان القائل يقول : قتلت ، وأسرت. ولما طلعت قريش ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها ، يكذبون رسولك ، اللهم إني أسألك ما وعدتني» فأتاه جبريل عليهالسلام فقال : خذ قبضة من تراب ، فارمهم بها ، فقال لما التقى الجمعان لعلي رضياللهعنه : أعطني قبضة من حصباء الوادي ، فرمى بها في وجوههم ، وقال : شاهت الوجوه ، فلم يبق مشرك إلا شغل بعينيه ، فانهزموا ، وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم. فقيل لهم : إن افتخرتم بقتلهم ، فأنتم لم تقتلوهم ، ولكن الله قتلهم ، بتثبيته قلوبكم ، وإلقائه الرعب في قلوبهم. وما رميت أيها الرسول إذ رميت المشركين في الظاهر بالقبضة من الحصباء التي رميتها ، فأنت ما رميتها في الحقيقة ؛ لأن رميك لا يبلغ أثره إلا ما يبلغه سائر البشر في العادة ، ولكن الله رماها ، حيث أوصل ذلك التراب إلى عيونهم ، فصورة الرمي صدرت من الرسول عليه الصلاة والسّلام ، وأثره إنما صدر من الله ، والعبرة بإحداث الأثر فعلا ، فالله هو الذي بلّغ أثر ذلك الرمي إليهم ، وكبتهم بها ، لا أنت.
وقد تكرر فعل الرمي من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم حنين.
ويكون الفرق بين فعله تعالى في القتل وبين فعل النبي والمؤمنين : أن الله هو المؤثر الحقيقي الفعال في تحقيق النتائج ، وأما فعل البشر فهو القيام بالأسباب الظاهرة المقدورة لهم التي كلفهم بها ربهم ، كما هو الحال في جميع كسب البشر وأعمالهم الاختيارية ، من كونها لا تستقل في تحقيق غاياتها إلا بفعل الله وتأثيره.