فعل الله ذلك كله ليكبت المشركين ، (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً) أي ليعرّف المؤمنين نعمته عليهم من إظهارهم على عدوهم ، مع كثرة عدوهم وقلة عددهم ، ليعرفوا حقه ، ويشكروا بذلك نعمته ، فهو منه تعالى اختبار للمؤمنين بالنصر والغنيمة وذيوع الصيت وحسن السمعة بين العرب.
(إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لكل قول ومنه دعاؤهم واستغاثة الرسول والمؤمنين ربهم قبل القتال ، عليم بأحوالهم ونياتهم وبمن يستحق النصر والغنيمة.
ثم أتى ببشارة أخرى مع ما حصل لهم من النصر ، وهي أنه تعالى أعلمهم بأنه مضعف كيد الكافرين في المستقبل ، محبط مكرهم ، مصغّر أمرهم ، جاعل كل ما لهم في تبار ودمار.
ثم خاطب الله أهل مكة على سبيل التهكم قائلا لهم : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) ، أي إن تستنصروا لأعلى الجندين وأهداهما ، وتستقضوا الله وتستحكموه أن يفصل بينكم وبين أعدائكم المؤمنين ، فقد جاءكم ما سألتم ، وتم النصر للأعلى والأهدى ، وحدث الهلاك والذلة للأدنى والأضل.
ثم أنذرهم الله ، وحذرهم بقوله : إن تنتهوا عن الكفر والتكذيب بالله ولرسوله ، وعداوة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فهو خير لكم في الدنيا والآخرة وأجدى من الحرب التي جربتموها وما أحدثت من قتل وأسر ؛ وإن تعودوا لمحاربته وقتاله ، وإلى ما كنتم فيه من الكفر والضلالة ، نعد إلى نصره وهزيمتكم ، كما قال تعالى لبني إسرائيل : (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) [الإسراء ١٧ / ٨] والخطاب هنا للكفار ، وهو الظاهر من السياق ، وقيل : الخطاب للمؤمنين ؛ لأن قوله : (فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) لا يليق إلا بالمؤمنين ، أما لو حملنا الفتح على البيان والحكم والقضاء ، لم يمتنع أن يراد به الكفار.
ولن تفيدكم جماعتكم (شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ) ، إذ ليست الكثرة دائما من وسائل