يعبدونه ، صنعه من ذهب بعد أن جمعه من حلي النساء ، وجعله بفعل تأثير الرياح والرمال أو أثر قدم فرس جبريل ذا خوار أي كصوت الثور ، وقال لهم : (هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى). ولم يفلح هارون في ردهم عن عبادة العجل : (قالُوا : لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى) [طه ٢٠ / ٩١]. وبعد عودة موسى غضب على أخيه هارون وأخذ بلحيته ورأسه يجره إليه ، وكان فيه حدة ، فاعتذر إليه هارون بأنه بذل أقصى جهده. ثم عاتب موسى النبي ، موسى السامري فقال السامري : (بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ ، فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ، فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) [طه ٢٠ / ٩٦] فعاقبه موسى بالطرد والتشرد وأن يقول في حياته : (لا مِساسَ). وقصة عبادة العجل مذكورة في سورة البقرة (٥٤ ، و ٩٢ ـ ٩٣) وسورة الأعراف (١٤٨ ـ ١٥٤) وسورة طه (٨٤ ـ ٩٨).
ثم أمر الله على لسان موسى بني إسرائيل بدخول الأرض المقدسة وهي فلسطين أرض الموعد ، فتمردوا ، فحرمت عليهم ، وتاهوا في الأرض أربعين سنة يعيشون في البرية ، من عهد خروجهم من مصر ، إلى أن مات موسى ، وعبروا نهر الأردن ، وملكوا أريحاء وما حولها غرب الأردن أربعين سنة. وتلك القصة مذكورة في سورة المائدة (٢٠ ـ ٢٦).
وفي صحراء التيه ذكر الله تعالى في سورتي البقرة والأعراف أنه رفع جبل الطور فوق بني إسرائيل حتى صار كأنه ظلة ، وظنوا أنه واقع عليهم أو أيقنوا ذلك ، وأمرهم أن يأخذوا ما آتاهم من الأحكام بقوة بأن يفعلوها دون تذمر أو توقف. وقصة نتق الجبل مذكورة في سورة البقرة (٦٣ ـ ٦٤) وسورة الأعراف (١٧١).
وبالرغم من أعجوبة قصة البقرة (البقرة ٦٧ ـ ٧٤) التي ذكرناها في الجزء الأول ، فإن بني إسرائيل لم يتعظوا بها ، وبقيت قلوبهم على قساوتها كأنها الحجارة أو أشد قسوة ، ولم تفلح مواعظ موسى فيهم.