فإن انتهوا عن الكفر وعن قتالكم ، فكفّوا عنهم وإن لم تعلموا بواطنهم ، (فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ، أي فإن الله عليم بأعمالهم ، يجازيهم عليها بحسب علمه.
وإن تولوا وأعرضوا عن سماع دعوتكم ، ولم ينتهوا عن كفرهم ، فلا تهتموا بأمرهم ، واعلموا أن الله متولّي أموركم وناصركم ، فلا تبالوا بهم ، ومن كان الله مولاه وناصره ، فلا يخشى شيئا ، إنه نعم المولى ، ونعم النصير ، فلا يضيع من تولاه ، ولا يغلب من نصره الله.
ولكن نصر الله مرهون بأمرين : الإعداد المادي والمعنوي للجهاد كما قال تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال ٨ / ٦٠] ونصرة دين الله وتطبيق شرعه وتنفيذ أحكامه ، كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ ، وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) [محمد ٤٧ / ٧].
أما الاتّكال على مجرد الاتّصاف بالإسلام قولا لا عملا ، وطلب النّصر بخوارق العادات ، والأدعية فقط ، دون إعداد ولا تحقيق الصفة الإسلامية الحقّة التي اتّصف بها السّلف الصالح ، فلا يحقق شيئا من النّصر المرتجى على العدو في فلسطين وغيرها من بلاد الإسلام المعتدى عليها ، أو المحتلّة.
فقه الحياة أو الأحكام :
دلّت الآية الأولى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) على مزيد فضل الله وفتح باب رحمته أمام الكفار ، فإنهم إن يسلموا يغفر الله لهم ما سلف من كفر ، وما ارتكبوا من ذنوب ، وما قصروا من أداء واجبات نحو ربّهم ، فلا يطالبون بقضاء العبادات البدنيّة والماليّة ، ويبدءون صفحة جديدة مشرقة بالإسلام النّقي الطّاهر ، لقوله عليه الصّلاة والسّلام فيما رواه ابن سعد عن الزبير وعن جبير بن مطعم : «الإسلام يجبّ ما قبله».