قال مالك : من طلّق في الشّرك ثم أسلم ، فلا طلاق له ، ومن حلف فأسلم ، فلا حنث عليه ، فهو مغفور له. ولو زنى وأسلم ، أو اغتصب مسلمة ، ثم أسلم ، سقط عنه الحدّ. ولا خلاف في إسقاط ما فعله الكافر الحربي في حال كفره في دار الحرب. أما لو دخل إلينا بأمان فقذف مسلما ، فإنه يحدّ ، وإن سرق قطع ، وكذلك الذّمي إذا قذف ، حدّ ثمانين جلدة ، وإذا سرق قطع ، وإن قتل قتل ، ولا يسقط الإسلام ذلك عنه لنقضه العهد حال كفره.
أمّا المرتد إذا أسلم ، وقد فاتته صلوات ، وأصاب جنايات ، وأتلف أموالا ، فقال أبو حنيفة ومالك : ما كان لله يسقط ، وما كان للآدمي لا يسقط ؛ لأن الله تعالى مستغن عن حقّه ، والآدمي مفتقر إليه ، ولأن إيجاب قضاء العبادات ينافي ظاهر هذه الآية. وفي قول الشافعي : يلزمه كلّ حقّ لله عزوجل وللآدمي بدليل أن حقوق الآدميين تلزمه ، فوجب أن تلزمه حقوق الله تعالى.
فإن عاد الكفار إلى قتال المسلمين ، قوتلوا.
والصّحيح ـ كما ذكر الرّازي ـ أن توبة الزّنديق مقبولة ، لأن هذه الآية : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ..) تتناول جميع أنواع الكفر ، ولقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ ، وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) [الشورى ٤٢ / ٢٥]. ولأن أحكام الشّرع مبنيّة على الظواهر ؛ لأن القاعدة تقول : «نحن نحكم بالظاهر ، والله يتولّى السّرائر».
واحتجّ الحنفيّة بهذه الآية على أنّ الكفار حال كفرهم ليسوا مخاطبين بفروع الشرائع ، بدليل أنهم لا يؤاخذون بشيء مما ارتكبوه في زمان الكفر.
ودلّت آية : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) على وجوب القتال ، حتى تزول فتنة المسلم عن دينه ، وتتأكد حرية الاعتقاد والتّديّن. وأما قوله تعالى : (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) فهو إما أن يقيّد في جزيرة العرب ، فلا يجتمع فيها