بالصّبر ، فإن صدقوا في إيمانهم ، وصبروا على بلائهم ، حقّق الله لهم الغلبة والنّصر ، وجعل العاقبة الحسنة لهم لتقواهم.
أمرهم موسى بشيئين ، وبشّرهم بشيئين :
أمّا اللّذان أمر موسى عليهالسلام بهما : فهما الاستعانة بالله تعالى ، والصّبر على بلاء الله. وإنّما أمرهم أوّلا بالاستعانة بالله ، فلأن من عرف أنه لا مدبّر في العالم إلا الله تعالى ، انشرح صدره بنور معرفة الله تعالى ، وحينئذ يسهل عليه أنواع البلاء ، ولأنه يرى عند نزول البلاء أنّه إنما حصل بقضاء الله تعالى وتقديره.
وأمّا اللّذان بشّر بهما ، فالأوّل : وراثة الأرض ، وهذا إطماع من موسى قومه في أن يورثهم الله تعالى أرض فرعون بعد إهلاكه ، وذلك معنى الإرث : وهو جعل الشيء للخلف بعد السّلف.
والثّاني : قوله : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) أي العاقبة الحسنى والمصير الأفضل لكلّ من اتّقى الله تعالى وخافه ، سواء في الدنيا والآخرة ، أما في الدّنيا فهو الفتح والنّصر على الأعداء ، وأمّا في الآخرة فهو نعيم الجنة (١).
ولكن النّفس البشرية تخاف عادة من تهديد صاحب السّلطة ، فخاف بنو إسرائيل ؛ لأنهم كانوا قبل مجيء موسى عليهالسلام مستضعفين في يد فرعون ، فكان يأخذ منهم الجزية ، ويستعملهم في الأعمال الشّاقة ، ويمنعهم من التّرفّه والتّنعّم ، ويقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم. فلما بعث موسى عليهالسلام قوي رجاؤهم في زوال تلك المضار والمتاعب ، فلما سمعوا إعادة تهديد فرعون ، عظم خوفهم وحزنهم ، فقالوا : (أُوذِينا مِنْ قَبْلِ ...).
__________________
(١) تفسير الرّازي : ١٤ / ٢١٢.