فلما رفع الله عنهم العقاب وكشف العذاب ، مرة بعد أخرى ، إلى أجل محدود منتهون إليه حتما ، فمعذبون فيه ، وهو الغرق ، إذا هم ينقضون العهد ويخنثون في كل مرة. أي أنا لم نزل عنهم العذاب مطلقا ، بل إنما أزلنا عنهم العذاب إلى أجل معين ، وعند حلول ذلك الأجل لا نرفع عنهم العذاب ، بل نهلكهم به. والدليل أنهم بادروا بعدئذ إلى النكث بالعهد.
وقد روي أنهم كانوا يمكثون في العذاب الواحد من الطوفان والجراد والقمل والضفادع ، وصيرورة مياههم دما فاسدا أسبوعا ، ثم يطلبون من موسى الدعاء برفعه ، ويعدونه بالإيمان بالله تعالى ، ثم ينقضون العهد.
ولما كشف عنهم العذاب من قبل مرات وكرات ، ولم يمتنعوا عن كفرهم وجهلهم ، ثم حان الأجل المؤقت ، انتقم الله منهم ، بأن أهلكهم بالغرق ، بسبب تكذيبهم بآيات الله التي نزلت عليهم كلها ، وكانوا غافلين عما يتبعها من العذاب في الدنيا والآخرة. والمراد بالغفلة هنا : الإعراض عن الآيات وعدم الالتفات إليها ، فهم أعرضوا عنها ، حتى صاروا كالغافلين عنها.
أغرق الله الكافرين منهم ونجّى المؤمنين الذين كانوا يكتمون إيمانهم ، أغرقهم في اليم وهو البحر الذي فرقه لموسى ، فجاوزه وبنو إسرائيل معه ، ثم ورده فرعون وجنوده على أثرهم ، فلما أصبحوا في وسط البحر ، أطبقه الله عليهم ، فغرقوا عن آخرهم بسبب تكذيبهم بآيات الله وتغافلهم عنها.
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت الآيات على أمور أربعة :
١ ـ اللجوء إلى موسى عند الشدة والضيق بدافع نداء الإيمان الفطري ، وهذا شأن الناس غالبا لا يجدون في وقت المحنة غير الله ملجأ وملاذا.