ثم علل مصيرهم إلى هذه الحال بعلة ثابتة وهي تكذيبهم بآيات الله المنزلة على رسله ، وغفلتهم عن النظر بما فيها ، وإعراضهم عن العمل بها.
ومجمل حال هؤلاء المتكبرين أن الله لم يخلقهم مطبوعين على الكفر والضلال ، ولم يجبرهم عليه ، بل حدث ذلك باختيارهم ؛ إذ أنهم كذبوا بالآيات ، وانغمسوا بأهوائهم وشهواتهم في بؤر الضلال والانحراف ، وحجبوا أفهامهم عن إدراك الحق والهدى وسلوك سبيل السعادة والنجاة ، فهم كما قال تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ، لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ، وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها ، أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ ، بَلْ هُمْ أَضَلُّ ، أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) [الأعراف ٧ / ١٧٩].
ثم أوضح الله تعالى مآل ما قد يعملونه من أعمال خيّرة في الدنيا : وهو إحباطها وإبطالها وتلاشي آثارها ، وعدم ترتيب الثواب عليها ، فقال : والذين كذبوا بآياتنا المنزلة على رسلنا ، ولم يؤمنوا بها ، ولم يصدقوا بالآخرة والبعث وما فيه من جزاء على الأعمال ثوابا على الخير وعقابا على الشر ، واستمروا على وضعهم هذا إلى الممات ، بطلت أعمالهم ، وذهبت سدى ، لفقد شرط القبول وهو الإيمان ، ولأن من سنته تعالى جعل الجزاء في الآخرة بحسب أعمالهم التي أسلفوها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، وكما تدين تدان.
فقه الحياة أو الأحكام :
هذه أحوال المتكبرين عن طاعة الله وعلى الناس ، الظانين أنهم أفضل الخلق ، وهو ظن باطل ، لقوله تعالى : (بِغَيْرِ الْحَقِ) فلا يتبعون نبيا ، ولا يصغون إليه لتكبرهم.
يصرفهم الله تعالى عن التفكير في آيات الله الدالة على عظمته وشريعته